مشاركة فيديوهات ومقالات بالعربية

قانون الاعدام الاسرائيلي تشريع صاغه الرصاص وسبقته قذائف الطائرات - جواد بولس

0.00 - (0 تقييمات)
نشرت
14
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

قانون الاعدام الاسرائيلي تشريع صاغه الرصاص وسبقته قذائف الطائرات - جواد بولس

مرة أخرى تشهد الكنيست نقاشات حول مطالبة عدد من أعضائها المشرّعين اقرار تعديل على القانون الجنائي الاسرائيلي يقضي بلزوم انزال عقوبة الاعدام بحق كل "ارهابي" يدان بجريمة قتل نفذها "بدافع عنصري وبهدف المس بدولة اسرائيل وببعث الشعب اليهودي في أرضه". ويبرّر مؤيدو تعديل القانون بضرورة اتاحتها فورا كعقوبة بحق عناصر كتيبة النخبة المحتجزين في المعسكرات الاسرائيلية، وكأداة من شأنها أن تستأصل الارهاب الفلسطيني من جذوره وأن تتحول الى وازع رادع لجميع الفلسطينيين.

لقد أشغلت عقوبة الاعدام، كخيار عقابي يجب المحافظة عليه ضمن منظومة التشريعات الاسرائيلية، حكومات اسرائيل منذ تأسيسها؛ وقد خضعت هذه المسألة، قبل الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1967 وبعده، الى عدة تعديلات تمّت على مراحل عديدة وأفضت، في النهاية، الى ابقاء هذه العقوبة في بعض التشريعات الخاصة بالمجرمين النازيين، وضمن القوانين العسكرية وفي بعض مخالفات خيانة الدولة وأمنها.

يعرف جميع المتخصصين بالقانون الجنائي والعسكري  أن عقوبة الاعدام قائمة في التشريعات الموجودة، إلا أنها لم تستنفد ضد المقاومين الفلسطينيين بسبب قرار اسرائيلي قديم جديد، عبّرت عنه مؤخرا المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف-ميارا، حين عارضت القانون مشدّدة على أن عقوبة الاعدام لن تكون وسيلة رادعة في حالة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

يتسلح معارضو عقوبة الاعدام، بشكل عام،  بعدة حجج وذرائع، منها: قدسية الحياة، واحتمالات وقوع الخطأ، ومكانة الانسان وحقه المطلق في الحياة ومعارضة المؤسسات الحقوقية الدولية والمنظمات الانسانية لمثل هذه القوانين؛ ولأنه قانون عنصري بامتياز؛ فالجميع يعرفون بأن القانون، في حالة اقراره في الكنيست، سيفعّل ضد الفلسطينيين فقط ولن يفعّل بحق ارهابيين أو جناة يهود يقترفون جرائم القتل ضد الفلسطينيين على خلفيات قومية وعنصرية، كما يجري في الآونة الأخيرة في الضفة الغربية أو داخل اسرائيل.

لقد كان رؤساء الأجهزة الأمنية والمستشارون القانونيون والسياسيّون، المطلعون على تقارير تلك الأجهزة ودراساتهم وخلاصاتهم المهنية، في طليعة من عارضوا استنفاد عقوبة الاعدام بحق المقاومين الفلسطينيين. ولقد اطّلع معظم المعارضين على خلاصات أهم الدراسات التي أجريت في حالات الصراعات القومية والاثنية والدينية المشابهة للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، والتي نفى معدّوها دور عقوبة الاعدام في تعزيز دوافع الردع بين المقاومين. بل أظهرت تلك الدراسات أن اللجوء الى عقوبة الاعدام سيزيد من صلابة أولئك المقاومين وفي اصرارهم واستعدادهم للمقاومة حتى آخر أنفاسهم!  كما وأفادت تلك الدراسات على أن من تنفذ بحقهم عقوبة الاعدام يتحولون في نظر مجتمعاتهم الى شهداء وأبطال خالدين، لا إلى مجرد جثث تتهادى من على أعواد المشانق. ستصبح مشاهد اعداماتهم حوافز للمخيلات الشعبية وسيتحوّلون الى رموز تعلّق صورهم تمائم على صدور الناس، وتردد أسماءهم الأجيال في أهازيج يزخر بها الموروث الشعبي الفلسطيني.

لقد أصابت المستشارة القانونية كبد الحقيقة حين تطرقت الى مسألة استحالة ردع الفلسطينيين بمواجهتهم بعقوبة الاعدام ؛ فهي، ربما بدون أن تقصد، أشارت إلى حقيقة صمود الفلسطينيين كل هذه العقود رغم المؤامرات عليهم، ورغم دموية الاحتلال وقمعه وممارساته التي لم تعرف حدودًا؛ ويكفي أن نستعيد مشاهد الجرائم الأخيرة التي اقترفتها وتقترفها قطعان المستوطنين وعناصر الجيش، ووثقتها الكاميرات وشاهدها العالم.

يعتقد أصحاب قانون الاعدام، أن قانونهم سيمحي أسطورة المناضل الفلسطيني الذي لا يخشى أعواد المشانق. أرى في عيونهم الفرح وأتذكر وجوه مئات الأسرى الذين دافعتُ عنهم حين كانوا يهزأون ممن يهدّدهم بالاعدام. لن تتسع هذه العجالة لسرد تلك الحكايات، لكنّني على يقين بأن مئات المدّعين والقضاة والمحققين الاسرائيليين يتذكرون مثلنا، نحن المحامين، كيف كان يقف بعض الأسرى أمام القضاة ويقولون لنا باحترام ولهم بدون تردد أو وجل:  "دع عنك استاذي، فأنا لا أعترف بهذه المحكمة. وليحكموا علي بما أرادوا" !  وحين كان القاضي يخاطب الأسير/المتهم بقصد إخافته وابقائه تحت "جناح المحكمة" وينبهه بأن عقوبته قد تكون الاعدام، كان الأسير يضحك بعزة ويباشر القاضي دون أن ينتظر من محاميه نصيحة أو رأيا ويقول له: "ما أغباكم، ما أصلفكم. أوَتحسبون أننا نخشى أحكامكم. نحن في وطننا نقتل على طريقتكم كل يوم ألف مرة، واليوم أجيئكم كي أموت على طريقتي أنا. هي ميتة واحدة، أختارها أنا، وبعدها سأحيا ".  وكم من مرة سمعوا هذا الكلام؛  بيد أن من قدّوا من الشر، هكذا يبدو، على الانتقام يحيون وبالشر يتعمدون !

اسرائيل الحالية ليست بحاجة لتشريع قانون الاعدام كي تضمن ردع الفلسطينيين وتئد جذوة نضالهم ضد الاحتلال؛ فكتائب من جيشها وسوائب مستوطنيها ينفذون اعداماتهم بدون حسيب أو رقيب ويشيعون ارهابهم بالنار وبالبارود. اسرائيل الحالية تسعى لإقرار هذا القانون استكمالا لعقيدتها الجديدة ولما كان يردده ملهمهم مئير كهانا "بأن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت" !

هذا ما يعرفه أصحاب الأرض والمكان، وهو ما عبرت عنه بيانات معظم المعقبين الفلسطينيين؛ ففي بيان مشترك "لهيئة شؤون الأسرى" و"نادي الأسير الفلسطيني"  قرأنا "أن منظومة الاحتلال الاسرائيلي مارست على مدار عقود طويلة سياسات إعدام بطيء بحق مئات الأسرى داخل السجون، فيما شهدت هذه السياسات تصعيدا غير مسبوق منذ الحرب على غزة لتجعل هذه المرحلة الراهنة الأكثر دموية في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة". وأضاف البيان "إن مصادقة ما تسمى "بلجنة الأمن القومي في الكنيست الاسرائيلي" على قانون الاعدام بالقراءة التمهيدية، لم يعد أمرا مفاجئا في ظل حالة التوحش غير المسبوقة. وعلى الرغم من وضوح موقف القانون الدولي الذي يحرم عقوبة الاعدام، يؤكد اصرار الاحتلال على تقنين هذه الجريمة واضفاء صبغة الشرعية عليها، على أن دولة الاحتلال تتصرف باعتبارها فوق القانون وعلى عجز المجتمع الدولي بمحاسبتها".     

لقد دافعتُ عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، وكنت شاهدًا على مئات ممن عاملتهم إسرائيل، القديمة والجديدة، خلال فترات أسرهم، كمشاريع شهادة؛ ولا أعرف اذا سمع أعضاء الكنيست الذين صوّتوا لصالح قانون اعدام الأسرى الفلسطينيين بأسماء تلك القوافل التي أقسم حُداتها ألا يرضوا بحياة الذل والقهر تحت نير الاحتلال؛ فبعضهم ناضلوا ورحلوا على طريق الفَراش وطريقته، وآخرون ولدوا وما زالوا يتعاقبون كالصدى وهو ينثال من "لام" الأملللل. هكذا كان طيلة عقود كنت فيها شاهدا على من يصنع الموت من جهة ومن يعشقون الحياة من جهة أخرى؛ فهل تغيرت المقادير في "زمن الفضيحة" الحالي والذي فيه "تطبخ" بعض الامم "أزهارها بدم الفلسطينيين". أخشى من الحقيقة، لكنني على يقين بأن من يحلم بالإعدامات كحل لمشاكله وكمفتاح لمستقبله، لم ولا يريد أن يتعلم من عبر التاريخ، حتى ولا من تاريخه هو، أو إن شئتم من تاريخ الطغاة ومصائرهم

 

14
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

تصنيف: 
جاري التحميل