مشاركة فيديوهات ومقالات بالعربية

إقصاء أيمن عوده من الكنيست بداية لرحلة صيد طويلة - جواد بولس

0.00 - (0 تقييمات)
نشرت
107
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

إقصاء أيمن عوده من الكنيست بداية لرحلة صيد طويلة - جواد بولس

تعتبر محاولة اقصاء النائب أيمن عودة، رئيس قائمة الجبهة والعربية للتغيير ، من الكنيست قمة في سياسة ملاحقة المواطنين العرب في اسرائيل، وانتصارا ساحقا، في حالة نجاح المحاولة، لفكر القوى اليمينية العنصرية والتيارات الفاشية، التي أنكرت دوما حق المواطنين العرب في المشاركة السياسية المتساوية مع مواطني الدولة اليهود. وقد نادت بضرورة تأطير حقوقهم السياسية والاجتماعية تحت سقف الدولة اليهودية وتحجيمها بما تمليه نظرية "فوقية اليهود" وملاءمتها لكونهم أغيارا، حسب قوانين الشريعة اليهودية.

 بهذا المعنى لا يجوز اعتبار هذه المحاولة عقابا فرديا ضد النائب عوده أو ضد حزبه. كذلك لا يمكن عدم وضعها في سياق التطورات السياسية الجارية وضمن ما اصطلح على تسميته "بخطة الاصلاح القضائي"، التي لا تعني إلا الانقلاب على نظام الحكم القديم واستبداله بنظام حكم ديكتاتوري عنصري يعتمد على ركائز فاشية. وتقوده "أغلبية يهودية مستبدة عمياء بسبب تعصبها القومي، وصمّاء بسبب جهلها التاريخي وتسعى لقمع واسكات كل صوت عربي ناقد، حازم وديمقراطي"، كما جاء في افتتاحية جريدة "هآرتس" العبرية المنشورة في مطلع الشهر الجاري والتي خصصتها ضد الحملة المسعورة على النائب عودة.

لم تتوقف حكومة نتنياهو، المدعومة بأكثرية مطلقة في الكنيست، عن سعيها لتنفيذ ما أعلنته مركباتها الحزبية على جميع الجبهات، وتأمين كافة "التدابير القانونية" لسيطرتها على جميع مرافق الدولة الحيوية ومراكز التأثير والقوة؛ ووراءها يقف برلمان جاهز لتشريع كافة القوانين والأنظمة الكفيلة بتأمين المرجعيات والأدوات الناظمة لعلاقة الدكتاتور وأجهزته بالغير، خاصة ضد من تعتبرهم معارضيها أو أعداءها، وفي مقدمتهم بطبيعة الأمر نحن ، المواطنين العرب.

لقد تم التصويت على طلب اقصاء النائب عوده داخل لجنة الكنيست  فحظي الطلب بدعم أربعة عشر نائبا ومعارضة نائبين؛ الا أن القرار لن يصير نهائيا إلا اذا حظي بدعم ٩٠ نائبا من أصل ١٢٠، أي بدعم ثلثي أعضاء الكنيست. وتشير التقديرات الحالية على أن تأمين هذا النصاب صار محتملا  بعد تصريح يئير لبيد زعيم حزب "يش عتيد" العنصري الداعم للفاشيين، بأن حزبه الذي يملك ٢٤ مقعدا سيصوت لصالح القرار وسيدعم موقف الائتلاف الحكومي.

نعيش في راهن يضج بالعبثية واللامعقول؛ فتهمة التحريض نسبت لايمن عودة لأنه كتب قبل ستة أشهر باللغة العبرية على منصة x ما يلي بالحرف الواحد: "أنا سعيد من أجل تحرّر المخطتفين والأسرى. من هنا يجب تحرير الشعبين من نير الاحتلال، لأننا ولدنا أحرارا". واللامعقول أن نجد، من بين أعضاء الكنيست الموقعين على طلب إقصائه، مَن نادوا بإحراق غزة وهدمها وتجويع وتهجير أهلها وأيدوا عمليات القتل والابادة الجارية منذ واحد وعشرين شهرا. ولقد قلنا: لم تعد عند هذه الحكومة ومؤيديها محظورات، لا بوازع القانون ولا بدافع الاخلاق ولا بخوف من السماء.  

لا نعرف كيف ستنتهي هذه القضية، فحتى اذا صوت ثلثا أعضاء الكنيست لصالح قرار اقصاء النائب عودة، ستبقى لديه فرصة الالتماس لمحكمة العدل العليا الاسرائيلية والطعن في قانونيته. فلننتظر ولكل حادث حديث. 

أما في هذه الأيام فعلى جميع هيئات المجتمع العربي ومؤسساته وقياداته التحرك  ضد حملة الاقصاء. أقول الجميع وأقصد أيضا تلك التيارات والحركات السياسية والدينية التي تعارض المشاركة في انتخابات البرمان بدوافع عقائدية أو سياسية؛ لأن مؤشرات هذا القرار هي أبعد من عتبة ايمن عودة وحزبه، وخطورة تداعياته ستطال، حتى اذا سقط المقترح في النهاية، جميع قطاعات وشرائح المجتمع العربي الذي سيواجه مزيدا من حملات القمع المنظم والملاحقة المكثفة لضرب شرعية ما تبقى من مؤسساته السياسية والمدنية والنيل من قياداتها، وترسيخ واقع ترهيب المواطنين وتدجينهم. 

لا يمكن الرهان على نوايا الحكومة الاسرائيلية ولا على حلم أعضاء الكنيست والتزامهم بقواعد العمل الديمقراطي في حماية حقوق الأقليات والمعارضين ؛ ولا يجوز التصرف بانتهازية وبفذلكة سياسية كيدية كتلك التي بدرت عن النائب منصور عباس في مقابلته قبل أيام عند الصحفيين عميت سيغل وبن كسبيت. فكل الذرائع ومحاولات الشرح من قبله ومن قبل حزبه لما قاله بحق أيمن عوده لا تبرر اقدامه على القول بأن "أيمن عودة لا يستحق شرف الاقصاء من الكنيست" ولا من استفزازية الطريقة التي استعملها محابيا ومسترضيا صحفيين معروفيين بمواقفهم العنصرية ازاء الفلسطينيين والعرب.

لم ينجر النائب عودة، ولا هيئات حزبه، وراء تصريحات النائب منصور عباس غير المسؤولة؛ بل على العكس، فلقد سمعناه يطالب بتهدئة الامور واغفال تفاصيل تلك الحادثة، واعطاء الاولوية لفرص العمل المشترك والوحدوي، حتى مع حزب منصور عباس، منوّهًا لخطورة المرحلة والتحديات التي ينتظرها المجتمع العربي ومسؤولية الجميع على مواجهتها بحكمة وباصرار وبعزيمة وبدون تخاذل أو تنازل أو مقايضة الحقوق والكرامة بفتات وبوعود كاذبة. وقد كتب عودة بهذه الروح على صفحته مؤخرا وقال: " لا نملك غير حل واحد  ووحيد وأوحد وهو الثبات على مواقفنا. هكذا فقط ندافع عن حق اكتسبه شعبنا عبر عشرات السنين من النضال، وهو توسيع مساحة حرية التعبير"؛ وأضاف: "مواقفنا وطنية انسانية ومواقفهم عنصرية فاشية" وتبقى المشكلة في كيفية الوصول الى طريق الثبات ومواجهة وحشية العنصرية والفاشية.    

كان متوقعا أن تؤدي الحملة على النائب عوده الى ردات فعل أكبر مما شاهدناه حتى اليوم ؛ فعلى الرغم من استيقاظ بعض تنظيمات الجبهات المحلية وقيادييها، نرى أن عزوف الأكثرية بين مؤيدي الجبهة القطرية وبعض قيادييها واضحا، وهو أكثر وضوحا بين مؤسسات الاحزاب والحركات الأخرى وتنظيمات المجتمع المدني. في المقابل كان تأثير الحملة داخل المجتمع اليهودي لافتا وهاما؛ اذ تحركت عدة قطاعات وشرائح وازنة للتعبير عن رفضها محاولة الاقصاء. وتحدث بعضهم من على منصاته ضد الحملة بينما أشهر آخرون العرائض التي حملت تواقيع آلاف المواطنين اليهود. فقد نشر النائب عوده على صفحته عريضة وقعها ألفان وخمسمائة كاتب وشاعر يهودي يعلنون موقفهم ضد الاقصاء، وقبلهم نشر مائة وثمانون فنانا سينمائيا ومسرحيا عريضة مشابهة، وقبلهم نشرت عريضة موقعة من قبل مائة وخمسين محاضرا في كليتي الحقوق والعلوم السياسة في جامعات إسرائيل، وكذلك نشرت عدة مقالات في معظم المواقع والصحف الاسرائيلية تندد بالحملة وبخطورتها على مكانة المواطنين العرب، لا على حقهم في المشاركة السياسية وفي التعبير عن الرأي وحسب. إن ظاهرة تنامي الصوت اليهودي المندد بسياسة القمع وبالعنصرية، وان كانت متواضعة الحجم والتأثير لغاية الآن تثلج الصدر وتبعث ببصيص من أمل. أما غياب صوت النخب الاكاديمية العربية والفنانين وانعدام أي حراك شعبي جدّي وصمت بعض القيادات البلدية المحلية والحزبية، خاصة من قبل النواب العرب الاعضاء في أحزاب الليكود ويسرائيل بيتينو وكاحول لافان وهم (عفيف عبد وحمد عمار واكرم حسون) تسجل كلها  كمؤشرات منذرة للسيء الآتي.  

فالقضية ليست قضية أيمن عوده ولا هي مسالة اقصائه من الكنيست وحسب؛ انها طلقة موجهة الى صدر المجتمع العربي والى جباه جميع الليبراليين اليهود والعرب، الانتهازيين منهم والصادقين، فإما أن يتصدوا لها وإما ان يسقطوا عند أقدام الفاشيين ومخططاتهم؛ ومن لا يشعر بالطلقة ولم يسمعها، فليتذكر أن كوابح أنظمة الدولة قد اتلفتها مراكز القوى الجديدة وكل الحصون هزمت والحدود محيت، ولم يبق شرع الا شرع "بلعام بن بعوراء" الذي جاء على لسانه في "سفر العدد" في التوراة : "هوذا شعب يقوم مثل شبل، ويرتفع كأسد؛ لا ينام حتى يفترس فريسته ويشرب دم القتلى". إنه بلعام الذي كان قدوة حكومة نتنياهو وهاديها الى اسم حربها على فارس وهو "شعب كأسد". 

ويبقى السؤال عالقا: هل سيستيقظ الغفاة والمضللون والانتهازيون واليائسون، وان لم يكن الآن، فمتى؟ 

 

107
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

تصنيف: 
جاري التحميل