مشاركة فيديوهات ومقالات بالعربية

موسكو وطهران تحت النار: هل تخلّت روسيا عن إيران؟

5.00 - (1 تقييمات)
نشرت
231
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

موسكو وطهران تحت النار: هل تخلّت روسيا عن إيران؟

موسكو وطهران تحت النار: هل تخلّت روسيا عن إيران؟

بقلم: د. سمير خطيب

يتهم البعض روسيا بالتخلي عن إيران، وبالرغم من أنني لا أعرف ما يجري في السر (لا أحد يعرف التحركات السرية) ، والكل يبني مواقفه على ما يُنشر، سأحاول الإجابة على السؤال بناءً على المنطق والمعلومات المنشورة.

منذ الضربة العسكرية الاسرائيلية التي استهدفت إيران ، وتحديدًا في 18/6، اشتد الحديث حول روسيا وأنها تخلّت عن شريكتها الاستراتيجية، وهنا أنا سأثبت أنها تتصرف من موقع المسؤولية الدولية والتكتيك السياسي. وإذا عدنا إلى سلسلة الأحداث والتصريحات، نجد أن التشكيك في الموقف الروسي لا يصمد أمام التحليل الموضوعي, الا اذا اراد البعض أن يرى الطائرات الروسية تقصف واشنطن لكي يتاكد انها تدعم ايران .

روسيا لا تتخلى عن حلفائها، ولا تقاتل بصخب ، انها تبني على المدى الطويل : نظام عالم جديد وسط نيران مفتعلة تحاول تأجيل ولادته ...لكنها لا تستطيع منعه

.

شراكة استراتيجية أم علاقة ظرفية؟**

حين يصل عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، إلى موسكو في خضم العدوان الأميركي الإسرائيلي، للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، للمشاورات في لحظة مفصلية في الصراع، والتي على إيران أن تقرر فيها هل سترد على الولايات المتحدة بعد قصفها المفاعلات النووية الايرانية وانخراطها المباشر مع وكيلتها اسرائيل. الا يعني هذا الكثير ؟ هذه الزيارة ليست بروتوكولية أو إعلامية، بل سياسية من الطراز الثقيل. فهل يُعقل أن تتجه طهران نحو موسكو في لحظة كهذه لو لم تكن ترى فيها حليفًا موثوقًا؟ كما قال عراقجي نفسه: "روسيا صديقة... وهي مطلعة على الأمور التي لا تُقال في العلن."

روسيا: شريك عاقل لا مقامر**

روسيا لم تُلقِ خطابًا شعبويًا، ولم تلوّح بالصواريخ، لكنها أدانت بوضوح الاعتداء الأمريكي والإسرائيلي، وأعلنت مرارًا أن "حق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية ليس مجرد كلام بل أفعال"، كما قال بوتين. وقد أضاف: "نعمل على بناء وحدتين جديدتين في بوشهر، وأكثر من 250 خبير نووي روسي يعملون هناك، ولن نُجليهم."

هذا الموقف ليس رمزيًا، بل هو التزام فعلي، على الأرض، وسط قصف وتوتر إقليمي. فلو كانت روسيا قد تخلت عن إيران، هل كانت ستواصل العمل النووي المشترك؟ هل كانت ستؤكد لبقية الأطراف، بما فيها إسرائيل وأمريكا، أن المرافق النووية الإيرانية "لا تزال موجودة ولم يحدث لها شيء"؟ (تحت حماية روسيا)، ومن هنا انا اشكك بفاعلية الضربات الأمريكية.

التوازن الروسي: لا حرب شاملة، ولا صمت مخزٍ**

يتعامل البعض مع الموقف الروسي بمنطق الأبيض أو الأسود: إما أن تشارك روسيا عسكريًا إلى جانب إيران، أو تُتهم بالتخاذل. وهذا تبسيط ساذج. فروسيا، كما تشير تصريحات مسؤوليها، تسعى لتفادي انفجار شامل قد يجر المنطقة والعالم إلى كارثة. ورفضها التصعيد ليس انسحابًا من دعم إيران، بل حرص على الربح الايراني الاستراتيجي دون الخسارة العسكرية. (للمعلومات فقط ميزانية إيران العسكرية ١٠ مليارد$ دولار وميزانية الولايات المتحدة ٧٥٠ مليارد$ غير ميزانية اسرائيل العسكرية ٢١ مليارد$)

ولنتذكر: روسيا لم تتخلَّ عن سوريا في ذروة الحرب، بل دخلت في الوقت المناسب، وحسمت المعركة لصالح النظام. والمفارقة الكبرى سقط النظام السوري في العام الفائت ليس لأن روسيا تخلت عنه، بل لأنه انهار من الداخل ورفض الجيش السوري دعمه في لحظة حاسمة، وهذه الدروس ما زالت حاضرة في عقل موسكو. واليوم، لا تختلف الحسابات كثيرًا، إلا أن المشهد أوسع وأكثر تعقيدًا بسبب وجود أطراف نووية وتحالفات كبرى. لذا، من الخطأ محاسبة روسيا على ضبط النفس كأنه خيانة.

**بوتين: الموقف أوضح مما يُقال

الرئيس الروسي لم يترك مجالاً للتأويل عندما قال: "عرضنا على إيران مشاريع في الدفاع الجوي، لكنهم لم يهتموا. إيران لا تطلب دعمًا عسكريًا مباشرًا منا، وهذا قرارها."

كما أضاف في أكثر من مناسبة:

"لا دليل على أن إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي، ونحن مستعدون لدعم برنامجها السلمي، ولسنا من الذين يغيرون مواقفهم تحت الضغط."

وهذه الجملة الأخيرة ربما تُلخص كل الموقف الروسي: دعم حقيقي، لكن دون الدخول في الحرب بالنيابة عن أحد.

**الأمم المتحدة: الفضيحة الدائمة

في مجلس الأمن، حيث يُكشف عادة وجه الدبلوماسية العالمية القذرة ، ظهر اليوم فاسيلي نيبينزيا المندوب الروسي بموقف واضح: (انصح الجميع بسماع خطابه)

دان العدوان الأمريكي، اتهم مجلس الأمن بعدم الشفافية،

فضح ازدواجية المعايير الغربية، وقال " النفاق يملأ القاعة" ورفض التمييز بين إيران وإسرائيل في مسائل الرقابة النووية.

هل هذا موقف متخاذل؟ أم أنه تعبير صارم عن التوازن الدولي الجديد؟

الحرب الكبرى... ليست حيث تنظر**

يخطئ من يظن أن الحرب الكبرى تدور في غزة أو طهران أو كييف. إنها، حرب الاستنزاف البطيء، حرب الألف جرح، حيث الفائز هو من يسقط آخرًا."

وفي هذا السياق، فإن روسيا وإيران والصين تحاول تفادي الانجرار إلى صدام مباشر، لأنها تفهم أن من يحافظ على استقراره الداخلي، هو من سيحسم المعركة العالمية على المدى البعيد. ولهذا تسعى روسيا بهدوء للحفاظ على استقرار إيران، حتى لو بثمن التراجع التكتيكي (استراحة محارب لأخذ النفس وترتيب الاوراق من جديد ).

خلاصة: روسيا لم تتخلَّ عن إيران… بل تحميها بصبر استراتيجي

روسيا لا تهتف ولا تثرثر، لكنها تعمل، وتبني، وتستثمر في الشراكة الإيرانية من موقع القوة والهدوء. ومن يشكك في هذا التحالف، إما لا يعرف موازين القوى وان الولايات المتحدة تفتعل الازمات للحفاظ على موقعها كقائدة وحيدة للعالم , كما يفعل نتنياهو بافتعال الحروب هروبا من مسؤوليته عن اخفاقات السابع من اكتوبر ومحاكماته الشخصية, أو يخدم، دون قصد، أجندات إسرائيلية تهدف لتفكيك التحالفات المقاومة للهيمنة الغربية.

روسيا تعرف أن من يربح اليوم ليس من يطلق الصواريخ أولاً، بل من لا ينهار آخرًا، ولأنها تقرأ المشهد بعقل بارد كالثلج فهذه ليست حربا كلاسيكية بل حرب توازنات واستنزاف، والفائز ليس من يضرب أكثر ، بل من يصمد داخليا أطول .

وإيران، برغم الضجيج، تعرف أن ظهرها محميّ، وأن موسكو لن تُدير لها ظهرها… ليس فقط لأن المصالح تجمعهما، بل لأن منطق التاريخ يفرض تحالف القوى التي ترفض الانحناء.

 

231
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

تصنيف: 
جاري التحميل