• التجسد ليس عقيدة فقط بل طريقة حياة - بقلم: بطرس منصور
التجسد ليس عقيدة فقط بل طريقة حياة - بقلم: بطرس منصور

لكل عيد محاور يدور حولها ومعاني يتركز فيها. فعيد الفصح هو للفداء. عيد الام لتقدير الأمهات وشكرهن. اما عيد الفالنتاين فهو للحب بين الأحباء. اما في عيد الميلاد فيركز الناس على حلول السلام على الأرض او على تواضع الرب الذي قبل ان يولد في مذوذ حقير مع انه ملك الملوك. لكن المحور الرئيسي لاهوتيا وعقائديًا هو التجسد. الله ظهر في الجسد (1 كور 3: 16) وحلّ بيننا (يوحنا 1: 14) واخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس (فيلبي 2: 7) وتشارك في اللحم والدم (عبرانيين 14:2)

انه حق وعقيدة مسيحية مركزية وقد جاء في قانون الايمان: "...نزل من السّماء، وتجسّد من الرّوح القدس ومن مريم العذراء، وصار إنساناً".

يرى البعض ان لحظة التجسد هي حين بشّر الملاك مريم في الناصرة عن انها ستحبل من الروح القدس وتلد الطفل يسوع المسيّا - عمانوئيل. ويرى البعض الأخر ان لحظة التجسد هي موعد ميلاد يسوع في بيت لحم- وقت رأى الطفل يسوع النور في ارضنا في ذلك المذود.

ولا يهمنا كثير ان كان موعد التجسد في الناصرة ام بيت لحم لكن الحقيقة انه بوساطتها شبك السماء بالأرض. لقد رفع من شأن البشر فوق ما عمله حين خلقهم على صورته كشبهه. لقد شرّف البشرية بحضوره وانضمامه لها.

وطبعا لا يمكن رؤية التجسد بمعزل عن هدف التجسد الأسمى وهو ارتفاع ابن الله (الاله الكامل والانسان الكامل) على الصليب لفداء البشرية. جاء التجسد كخطوة لا بد منها لأجل الفداء عن طريق صليب الخلاص.

لكن التجسد ليس مجرد مصطلح لاهوتي عميق لكنه جاء ايضًا ليعطينا مثالًا لنتبع خطواته. بالتجسد نتعلم كيف يتوجب ان نحيا ونخدم. خيّم يسوع بيننا وحلّ في وسطنا. عاش بيننا وذاق الحلو والمر وتفاعل مع الصفوة السياسية والدينية ومع عامة الشعب من فقراء وزواني وعشارين وبُرُص.

لو كان هدف الرب الوحيد من مجيئه الى ارضنا هو الموت على الصليب لكان اتى لها لاسبوع او شهر على الأكثر لكي يتمم مهمته ويعود الى ابيه الذي في السماوات. لكن الرب عاش في ارضنا 33 عامًا في حياة غنية بالتفاعل مع الناس على اشكالهم وانواعهم في شتى ظروفهم. حزن لحزنهم وفرح لفرحهم. لقد سمع لأقوالهم وتجاوب معها. نصحهم ووبخهم ومدحهم. لم ينسلخ عنهم في خلوة مستمرة مع ابيه السماوي.

وما دام يسوع تجسّد، يتوجب ان نتجسد نحن أيضا بين شعبنا ومجتمعنا وليس ان ننسلخ عنهم بروحانية وحيادية مزعومين. لم يحب الرب يومًا ان نكون فاترين او معرجين بين الفرقتين وانما أحب المواقف لأجل البر والخير للجميع.

بينما نعيّد عيد الميلاد- عيد التجسد، لا يسعنا الا ان نذكر آلام شعوب هذه البلاد ونبكي لحزنهم. نذكر ميلاد الرجاء ونشكر الله عليه ولكن بذات الوقت نبكي لانعدام الرجاء عند المتألمين ونصلي لرفع الألم عنهم.

ميلاد مجيد.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع