• غفران الغدر ممكن فقط بيسوع بقلم: منال عبدالله - خوري
غفران الغدر ممكن فقط بيسوع  بقلم: منال عبدالله - خوري

تتكرر على مسامعنا وعلى افواهنا هذه التعابير: الخيانة والوفا... حسبته صديقا وكان كالثعبان يلدغ... يا للخسارة في عشم أوجعنا وخاننا...

نعم...لطالما اختبأت في ثنايا طبيعتنا البشرية الساقطة الكثير من الخصال السوداء والصفات السلبية... وأسوأها الخيانة..

فمنذ بدء التكوين خانت حواء ثقة زوجها بها وتحاورت مع الحيّة... وخان آدم ثقة الله به وبدلا من ان يكن قدوة ومرشدًا لحواء، كان تابعًا لها في السقوط... ومنذ ذلك الوقت والإنسان يحاول النهوض، فيعود للسقوط من جديد.

كلنا نعيش في فوضى...

وجميعنا نمر يوميا في تجارب وتحديات تستنزف منا الكثير من الجهود والطاقات لنحافظ على ما تبقى فينا من انسانية خالصة ونظيفة.. في أحيانٍ ننجح، واخرى نفشل ونسقط من جديد.. والنجاح ليس عدم السقوط، فلا أحد يسمو ولا احد فوق الخطأ.. كلنا نخطئ...انما النجاح هو عندما نتعلّم من السقطة ونقاوم الاستسلام والهزيمة، فنحاول مرة أخرى بعزيمة متجددة لنصبح أفضل.

إن السقوط يعلّمنا الكثير...

نتعلّم من جروحنا ومن أوجاعنا.. فيكون تكرار التجربة مختلف ويحصد نجاح.

كان بطرس الرسول من أقرب التلاميذ على الرب يسوع، وكان أشهرهم وأكثرهم اندفاعا... وأكثرهم شغفا أيضًا. لقد كان يحب يسوع جدًا وكان مستعدًا بصدق أن يموت من أجله. وقد أعلن هذا له عندما قال له يسوع: يا بطرس ستنكرني ثلاث مرات. فأجابه بطرس: "ولو اضطررت أن أموت معك، لا انكرك!" وبالفعل، عندما أتى الجنود على يسوع ليأخذوه، هجم بطرس مندفعا كعادته وبمحبّة صادقة، واستلّ السيف من غمده وقطع أذن احدهم في محاولة للدفاع عن يسوع... تصرّف اندفاعي يحمل في أعماقه الكثير من المحبة والاهتمام.

ومن كان ليظن بأن هذا الشخص نفسه الذي سارع ليحمي يسوع، هو ذاته سيقوم بإنكار معرفته به بعد ساعات قليلة؟؟

لطالما تعشمنا وتغنينا بمحبتنا لأصدقائنا المقربين، وافتخرنا بهذا القرب والعشم، وتباهينا بجمال وتميّز هذه العلاقة وأصالتها.. ولا بد لكل علاقة ان تمرّ بظروف صعبة وتثبت متانتها وقوتها.. لكن قد يحدث أيضًا أن تمرّ هذه العلاقة الطيبة الصادقة بموقف يهدّد أمان الفرد ويزعزع أساساته ويهزّها، تماما كما حدث مع بطرس.. هو بطرس ذاته الذي أحب يسوع بشدة، أنكره ليس مرة، ولا اثنتين، بل ثلاث مرات عندما شعر بأنه مهدّد، ورأى يسوع بمنظر مختلف عن الذي عهده به.. رآه ضعيفا!!! رآه مختلفًا تماما، الأمر الذي هزّ كيانه..فأنكره... لينتهي به المطاف بعد ذلك باكيًا بكاءً مرًّا، متألما بشدة لفعله الشنيع، نادما بشدّة! لابد أنه تساءل بحرقة: كيف فعلتُ هذا؟؟ انه حبيبي يسوع!!! كيف لي أن أنكره بهذه القسوة.. بل اخذت ألعن وأحلف بأنني لا أعرفه؟!!؟

صدى هذا التساؤل يرافق النادم لفترة وجيزة... يستمر بالهمس في أذنه في وادي الظلمة ليكوي قلبه ويوجعه باستمرار...

للحقيقة... يحدث أن نسقط... يحدث أن تؤثّر الكثير من الضغوطات علينا وتُخرجنا من ثيابنا وقداستنا وأمانتنا، فنخون صديق او حبيب وقريب..!! يحدث ان نخون بغير سبق اصرار وترصّد.. دون تخطيط للأمر، بل تحت وطأة الظروف، يحدث ان نضعف! ويحدث أن نندم بشدّة على ذلك ونتألم ونبكي بمرارة، راجين عاشمين الغفران.

ولكن، وبطبيعة الإنسان الساقطة، غالبًا ما يتعذّر على المغدور أن يغفر. فليس بالأمر السهل أن تغفر وتفتح صفحة جديدة.. فالغفران ليس مجرد كلمة تعلنها، هو فعل أيضا، يتطلب فتح صفحة جديدة. لقد كان يسوع في أحلك وأصعب فترة من حياته على الأرض، حيث احتاج لأقرب الناس إليه ليتمسكوا به ويسندوه ويتفهّموا وضعه... لكنه في هذه الفترة بالذات، وجد نفسه وحيدا... وحيدا متألما من ظلم العدو، ووحيدا أكثر عندما تركه وخانه وأنكره أقرب أصدقائه!

ليس أوجع من هكذا احساس!! فماذا بعد؟؟ كيف له بعد ذلك ان يسامحه، ولو بكى بحر من الندم؟ بم سيفيد ذلك قلبا تألم وروحا انكسرت؟! كيف سيعوّض ذلك على احساسه بتلك اللحظة؟

لكن يسوع سامح بطرس...!!!!

سامحه وأعلن هذا الغفران عندما ائتمنه على كنيسته وأعطاه مفاتيحها...!!! لقد طلب يسوع منه أن يرعى خرافه... أن يهتم بأولاده ورعيته.. ائتمنه على كنز ثمين وغالي!!! أعاده صديقا قريبا عزيزا مكرما، أعاده لمكانته الأولى، بل وأسمى!!!

علّمنا يسوع بهذا أن هناك علاقات تستحق الغفران لأنها أثبتت على مر الأيام والأحداث بأنها جديرة..

فمن منا بلا خطيئة؟

يحدث ان نزلّ ونسقط..

لكن ما يهم هو توبتنا الصادقة... صدق التوبة يستحق الغفران والفرص المتجددة..

قال يسوع بأننا سنعمل أعمال أعظم من تلك التي صنعها هو... فإذا هو استطاع أن يغفر لذاك الذي جرحه وأنكره في أحلك الأوقات، سنستطيع نحن أن نفعل المثل لأولئك الذين يطلبون غفراننا وجديرون به.

لقد أعلن يسوع لكل البشرية وعلى الملا، ومكتوب في الانجيل: "على هذه الصخرة (بطرس) أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها!"

أعطوا فرص جديدة لأحبتكم... اغفروا لهم... واقبلوهم من جديد برغم أخطائهم... سامحوهم.. لعلّ في ذلك انتقال مميز لصداقتكم من مكانة لمكانة أسمى وأجمل وأقوى...

         

 

              

          

    

 

 

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع