• هل ترى يسوع؟ بقلم القس حنا كتناشو
هل ترى يسوع؟  بقلم القس حنا كتناشو

قال فيلبس ليسوع ارنا الآب وكفانا فقال له من رآني فقد رأى الآب. ألست تؤمن أني في الآب والآب في؟ ويحدثنا إنجيل يوحنا أن الله تأنس وصار بشرا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب. فهل ترى يسوع؟ قال الرب: كنت جائعا فاطعمتموني، كنت عريانا فكسوتموني، كنت مريضا فزرتموني، كنت مسجونا فأتيتم إلي. متى يارب كنت هكذا؟ أجابنا الرب: كلما فعلت هذه الأمور لأحد البشر تزورني وتخدمني. فهل ترى يسوع؟ سأتحدث عن عدة موافق في إنجيل يوحنا تكشف لنا كيفية رؤية يسوع.

 

1. رأى إبراهيم المسيح عندما قدم أثمن ما عنده. حمي وطيس الحوار بين يسوع  ومعارضيه. فاتهموه بأنه سامري وشيطان وأرادوا قتله (يوحنا 8: 48 – 59). وفي تعاريج هذا الحوار يُظهر يسوع أن إبراهيم رأى يوم المسيح. والأرجح أن ابراهيم بروحه النبوية أدرك الفداء المرتبط بالمسيح. فعندما أخذ اسحق ليقدمه لله وجد كبشا ممسكا في الغابة بقرنيه. قوة الكبش زالت بتعلقها بخشب الغابة وعندئذ صار ذبيحة الفداء.

رأى ابراهيم يوم المسيح رغم أنه من مؤمني العهد القديم ورغم الفاصل الزمني واللاهوتي بينهما. رآه عندما قدم أثمن ما عنده ليرضي الرب. وهنا أتذكر قصة الفتاة بنت العشر سنوات بعكازاتها. احتاجت العكازات لتمشي وتتحرك ولكن الرب طلب منها أن تقدم هذه العكازات تقدمة لامتداد البشارة. قدمت عكازاتها تقدمة لاجل امتداد الإرساليات ولم يقدم الكثيـرون ما عندهم لأجل امتداد خدمة يسوع. هل تريد أن ترى يسوع؟ إذا قدم له أثمن ما عندك. اسكب أمامه طيبك. اعطه شبابك وعلمك. اعطه حياتك وبيتك. اعطه مالك ووقتك. اتعب من أجله ومن أجل شعبه وامتداد إنجيله.

وعندما نعطي الرب أثمن ما نملك سنكتشف ألوهية يسوع المسيح. سنكتشف هويته أنه كائنٌ ليرسلنا إلى فرعون وكائنٌ ليـزود كلَّ حاجاتنا وكائنٌ ليعطنا الانتصار على أنفسنا وعلى مخاوفنا. لقد رأى إبراهيم المسيحَ وتهلل وعَظُم فرحُه.

2. رأى الأعمى يسوع عندما عانى معاناة كبيـرة (يوحنا 9). بعد رؤية ابراهيم للمسيح يحدثنا يوحنا عن المولود أعمـى. عانى هذا الإنسان بسبب تحديات جسمانية وُلد معها. وعانى بسبب تفسيرات بشرية سيطرت على المجتمع إذ ظنوه خاطئا واعتقدوا أن أباه وأمه خاطئان. وعانى بسبب عدم تأهيله لعمل محدد وبسبب حاجته للأكل والشرب. فصار يستعطي. وصار في أسفل السلم الاجتماعي وأسفل سلم الأخلاقيات بحسب معايير المجتمع. ثمَّ وجده يسوعُ وتفل على الأرض وأعاد خلق عينيه. وقال له: اذهب إلى بركة سلوام واغتسل فصار بصيرا. ولكن رحلة المعاناة لم تتوقف. فبسبب إيمانه بيسوع عانى من تشكيك الجيـران  (آ 8) ومقاومة رجال الدين الفريسيين (آ 13) ومن عدم تصديق اليهود (آ 18) وقرار مجمع اليهود أن الإيمان بالمسيح سببٌ لتمزيق كل علاقة. وعانى الشتم (آ 28) والطرد (آ 34). ثم رأى يسوع.. يدعونا الله أن نكون مستعدين أن نتألم من أجله في وجه المجتمع وقادته وقيمه وأديانه. من يتألم من أجل يسوع سيرى يسوع المتألم معه. هل تريد أن ترى يسوع؟ اقبل ألم الملكوت فطوبى لكم إذا عيـروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي ومن أجل الإنجيل.

 

3. رأى اليونانيون يسوع عندما تواضع المسيح تواضعا كبيـرا (يوحنا 12). أراد اليونانيون أن يروا يسوع. ولكن لن يظهر يسوع دون حبة الحنطة التـي تقع على الأرض وتمت. فيجب أن ننـزل قبل أن نصعد. يجب أن نذهب إلى الصليب قبل أن نختبـر القيامة. يجب أن نقتل شر قلوبنا قبل أن نشفي شر بلادنا. يجب أن نكتشف أننا خطاة قبل أن ندعو الآخرين إلى حياة البـر. يجب أن نحزن ونكتئب قبل أن نفرح ونرقص. فالطريق إلى الانتصار يبدأ بموت الطبيعة القديمة. يبدأ عندما نبغض ونكره ونمقت ونعادي الخطيئة بكل أشكالها وأنواعها. لن نستطيع أن نرى يسوع دون الصليب ودون التواضع والتنازل وحمل الصليب كل يوم. فإن أردت رؤية يسوع تأمل في الصليب وفكر في الله المصلوب من أجلك. وابدأ درب التنازل في سبيل عمل الرب وكرامته وهويته وسمعته.

 

4. رأت مريم يسوع عندما خاطرت مخاطرة كبيـرة. المسيح حي وقد قام من بين الأموات. كانت مريم مأسورة بحزن شديد ولكنها خاطرت مخاطرة كبيـرة من أجل الرب. وخاطرت بنفسها إذ ذهبت إلى القبـر والظلام باقٍ. ذهبت إلى عالم الموت حيث يأتي السارقون وتتجول الأرواح الشريرة وتفوح رائحة القبور. قد نظن أن المسيح في الهيكل أو في قدس الأقداس ومع الأبرار والقديسين أو جالسا على كرسي الملك. ولكن هل نجده في المقبـرة وفي عالم الأموات. عندما نسعى لخدمة السيد في عالم الأموات سنكتشف قوة الحياة.

لقد ذهبت مريم بفكر مشوش. وظنت أن المسيح سُرق. وبلبلت التلاميذ برسالتها الأولى. وعادت إلى القبـر تبكي لأنها تحب يسوع. لن ينسى الله هذه الدموع، لن يتغاضى المسيح عن دموع المحبة لأجل اسمه وملكوته. لن ينسى المسيح المخاطرات النابعة من حب مقدس وعميق. لقد ظهر لها ملاكان وتكلما معها ولكن حزنها لا يستطيع الملائكة أن يعالجوه. فظهر لها يسوع فتصارعت معه بالتصميم على رؤية الأمور من منظور بشري فقط. ففتح الله أذنها بدعوة شخصية لها وفتح الراعي الصالح قلبها المعمي من الحزن والتفتت ورأت يسوع. لقد خاطرت كثيـرا وأحبت كثيـرا. وأخبـرت التلاميذ أنها رأت الرب وغيـّر الرب مفهومَها ورسالتَها. لقد رأت يسوعَ عندما طلبته بكلِّ قلبها حتى لو تتطلب الأمرُ زيارة المقبـرة. فما المقبـرة التي قبـرت فيها سيدك وما القضايا التـي تعتقد أن الله ميتٌ لا يستطيع فيها شيئا؟ أما مريم فقد رأت الرب فهل تراه أنت أم ما زلت تبكي؟

 

5. ظهر الرب للتلاميذ ثم لتوما عندما لم يتخلى عن الشركة المقدسة.  لا يعالج الرب هذه المرة البكاء والحزن في المقبـرة بل الخوف داخل الأبواب المغلّقة. فيمنحنا السلام والروح القدس والغفران ويكلفنا بإرسالية عظيمة. ولكن الأخ توما لم يبصر يسوع. فهل ندعوه للاجتماع. إن اردت أن ترى يسوع يجب أن تلتصق بشعب الرب. "لم يكن توما معهم". قالوا رأينا الرب. أما هو فكان وحده. ولكنه جاء وصار معهم وحضر اللقاء وسمع الكثير دون تغييـر الموقف. وظهر له يسوع لأنه لم يتخلى عن شعب الرب خلال ازمته الروحية. وخلال تعبه وشكه ويأسه تمسك بالشركة المقدسة. فأبصر المسيح. رأى توما المسيح لأنه تمسك بالشركة المقدسة.

 

في الختام، اسألك: هل فعلا تريد أن ترى يسوع؟ هل تريد أن ترى يسوع؟ إذا اذهب إلى الناصرة. قال فيلبس لنثنائيل تعال وانظر. تعال إلى المكان المحتقر. إلى قمة التواضع. فعندما نتواضع نكتشف أعظم العظماء يسوع المسيح. تعال إلى صليبه وآلامه وبساطة، وليس سذاجة، تعابيره فستكتشف حكمة الله وقوته وسترى الله. هل تريد أن ترى يسوع إذا إذهب إلى القبـر الفارغ. وتأمل قيامته وانتصاره. لست يا موتَ بشيء، منك لا نخشى وعيدا. إنما يسوع حي فعلينا لن تسود.

ربما أنهي أفكاري بفكرة إضافية. لا يكفي أن ترى يسوع بل يجب أن تسأل أيضا. هل يرى في الناس يسوع. فعندما ترى نور العالم ينعكس هذا النور فيك. فهل يرون فيك يسوع؟

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع