• سيناريو نهاية العالم - بقلم: شكري حبيبي

كلما لاحت بالأفق بوادر حرب جديدة في الشرق الأوسط، سارع بعض مفسري النبوءات لكي يقدموا لنا تحليلاتهم ونظرياتهم حول قرب نهاية العالم، وعمّا سيحصل في المستقبل القريب. والحق يُقال إنني شخصياً  في أوائل عُمري كنت من أولئك المفسّرين والمحللين، لا بل كتبت كتاباً بعنوان « أحداث النهاية»، بعد عدوان الخامس من حزيران في عام 1967. ولو عُدنا إلى التاريخ لوجدنا أن هذا الأمر تكرر عدة مرات. ولقد نشر أحد الكتاب المسيحيين في الولايات المتحدة الأميركية كتاباً(1)، تحدّث فيه عن المرات العديدة في التاريخ، منذ نشأة المسيحية، التي أطلق فيها المفسرون عنان مخيّلاتهم بقرب نهاية العالم. وفي القرن العشرين الماضي، تحدّث المفسرون عن القائد الألماني هتلر والزعيم الإيطالي موسوليني عن كونهما يطابقان وصف وحش سفر الرؤيا، آخر كتب العهد الجديد. ثم بعد حرب عام 1967 نُشرت الكتب العديدة خاصة في الولايات المتحدة الأميركية، التي تحدثت عن قرب نهاية العالم. وأثناء حرب الخليج الأخيرة وغزو العراق كثرت التكهنات أيضاً. وبين فترة وأخرى تظهر إشاعات عن يوم معين سيأتي فيه المسيح ثانية وينتهي العالم. ولا بدّ أن تعود هذه التكهنات إلى الظهور بسبب التوتر الشديد الحاصل الآن بين إيران وإسرائيل.

وبالحقيقة أنا لا أدّعي أن نهاية العالم ستتحقق في المستقبل البعيد، بعد مئات أو آلاف السنين. كما لا أزعم أن نهاية العالم قد أصبحت وشيكة جداً. لكنني أقول وبكل تأكيد أنني لا أعلم، وهذا أمر يتوافق مع تعليم العهد الجديد من الكتاب المقدس. فقد تكون نهاية العالم قريبة جداً وأقرب مما نتصور، وقد تكون في المستقبل البعيد غير المنظور. لكنني في هذه المقالة سأناقش ما يروّج له البعض من سيناريوهات نهاية العالم.

لعلّ السيناريو الأكثر انتشاراً هو السيناريو الذي وضعه التفسير التدبيري(2). وبحسب هذا التفسير تبدأ نهاية العالم بما سمّاه حادث اختطاف الكنيسة السّري(3). ثمّ سبع سنوات الضيقة على شعب إسرائيل(4)، والتي تُقسم إلى قسمين: مبتدأ الأوجاع، ثم الضيقة العظيمة. ويفصّل هذا التفسير الأحداث التي ستحصل ضمن هذه السنوات، وكأنك أمام خريطة طريق واضحة بكل تفاصيلها الصغيرة. ويستندون في تفسيرهم هذا على قراءات خاطئة لسفري دانيال وحزقيال، وللأصحاح الرابع والعشرين من بشارة متّى، ولسفر الرؤيا. ففي بداية السبع سنوات هذه يقيم الزعيم الروماني معاهدة مع إسرائيل، ويُبنى الهيكل. وفي وسطها ينقض الزعيم الروماني معاهدته مع إسرائيل، ويُبطل الذبيحة في الهيكل(5)، ويبدأ باضطهاد اليهود الأتقياء الذين سيؤمنون بالمسيح. وقرب نهاية هذه السبع السنوات يكون هناك هجوم كبير على إسرائيل من الشمال والشرق، وتحصل معركة هرمجدون التي ستنتهي بمجيء المسيح ثانية وسحقه لأعداء إسرائيل(6). ثم يحقق المسيح وعد الملكوت الأرضي لشعب إسرائيل.

هذه لمحة موجزة جداً لسيناريو نهاية العالم كما يضعها التفسير التدبيري. وهنا أحب أن ألفت الانتباه إلى ثلاث ملاحظات هامة جداً وهي أولاً: أن العالم الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس مختلف تماماً عن العالم الذي نعيشه اليوم. ففي سفر الرؤيا مثلاً كانت الامبراطورية الرومانية هي التي تسود على العالم المعروف آنذاك، ولا سيّما في الشرق الأوسط. ولم يكن هناك أي وجود للولايات المتحدة الأمريكية، إذ لم تكن القارة الأمريكية قد اُكتشفت بعد. ولهذا لم يأت سفر الرؤيا على ذكر الولايات المتحدة الأمريكية بتاتاً. لكن البعض ما زال مصراً على أن يعيدنا إلى تلك الفترة القديمة، التي كانت فيها روما هي زعيمة العالم، وأن وحش الرؤيا المُقبل سيكون من روما – أي الزعيم الأوحد الذي سيحكم العالم - وبنوا سيناريوهات نهاية العالم على هذا الأساس. فهل يُعقل إذا كان الأمر يتعلق بنهاية العالم أن تغفل النبوءة في سفر الرؤيا خاصة الحديث عن العالم كما نعرفه اليوم.

الملاحظة الثانية: أن نبوءات الكتاب المقدس وخاصة في سفر دانيال، تحدثت عن الممالك الأربع التي ستحكم الشرق الأوسط من زمن الامبرطورية البابلية إلى الامبرطورية الرومانية، مروراً بالفارسية واليونانية، والأحداث التي ستحصل خلالها. أي عن الممالك التي ستسيطر على العالم إلى المجيء الأول للمسيح وتوقفت هناك(7). وتحدّث سفر الرؤيا عن تفاصيل الاضطهاد الروماني الذي حصل في القرن الأول الميلادي على الكنيسة، ونهاية الامبراطورية الرومانية. أي لم تكن هناك أية نبوءة تتعلق بدول أو شعوب في المستقبل، أو زمن نهاية العالم. 

الملاحظة الثالثة: أن الرب يسوع المسيح في نبوءته (متّى 24، مرقس 13، لوقا 21) كان يشير إلى حادثة حصار أورشليم وخرابها ودمار الهيكل والضيق العظيم الذي سيحصل خلالها، في عام 70 ميلادية. وبالتالي إلى دينونة الله على هذا الشعب الذي رفض المسيح، وإنهاء علاقته معه وبشكل نهائي، ونهاية الدهر اليهودي. ولهذا لم يكن غريباً أن يؤكد المسيح قائلاً: «الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله»(8). أي لم تكن هناك أية إشارة إلى نهاية العالم والأحداث التي سترافقه، كما تضعها لنا السيناريوهات المختلفة.

إن هذا يؤكد لنا أنه لا وجود لأي سيناريو عن أحداث معينة لنهاية العالم في الكتاب المقدس. وأن السيناريو الذي قدّمه التفسير التدبيري لن يتحقق. ولا توجد بالتالي أية علاقة بين الأحداث التي تجري في الشرق الأوسط هذه الأيام، وأية نبوءة في الكتاب المقدس. فعلينا أن لا نُخدع بأي سيناريو يُعرض عن نهاية العالم، أو بتحديد أحداث معينة لا بدّ أن تحصل. فلا أحد يعلم المستقبل وما سيحصل فيه، ولا أحد يعلم متى ستكون نهاية العالم وكيف. لكن من المؤكد أن العالم سينتهي يوماً ما، وأن المسيح سيأتي ثانية لكي يدين المسكونة بالعدل(9). وأنه علينا كمؤمنين بالمسيح أن لا ننتظر فقط مجيء الرب يسوع المسيح ثانية بل أن نطالب بسرعة مجيء يوم الرب(10)، إذ هذا هو رجاء كل مؤمن.

 

(1)The last Days are Here Again, A History of The End Times by Richard Kyle,1998   

(2) التفسير التدبيري، الذي يقسم التاريخ البشري إلى سبعة تدابير تعامل فيها الله مع الإنسان. ويركّز بشكل خاص على علاقة الله مع شعب إسرائيل ومواعيده له، ويؤمن بالتفسير الحرفي لنبوءات العهد القديم المتعلقة بإسرائيل.

(3) اختطاف الكنيسة، تعليم يقول أن الله لا بدّ أن يخطف المؤمنين في الكنيسة المسيحية إلى السماء وبشكل سرّي، لكي يعود ويتعامل مع شعب إسرائيل كشعبه الخاص. مستندين بذلك على فهم خاطئ لحديث الرسول بولس عن تعزية المؤمنين بالمجيء الثاني للرب يسوع المسيح (راجع 1تسالونيكي13:4-6:5). مع العلم أن الرسول بولس لم يكن يتحدّث هنا عن اختطاف سرّي.

(4) أتت فكرة سبع سنوات الضيقة من الفرضية الخاطئة حول نبوءة النبي دانيال عن السبعين أسبوعاً في الأصحاح التاسع. أن الأسبوع الأخير من هذه النبوءة، أي السبع السنوات الأخيرة، يجب فصلها زمنياً عن بقية الأسابيع، لكي يعود الله ويتعامل مع شعب إسرائيل في نهاية الزمان بعد اختطاف الكنيسة(راجع دانيال24:9-27).

(5) وهذا أيضاً افتراض خاطئ، لأن الذي أثبت العهد مع  الكثيرين وأبطل الذبيحة والتقدمة هو الرب يسوع المسيح عند موته على الصليب، وقيامه بعمل التكفير عن خطايانا، وأنهى بذلك عمل الهيكل إلى الأبد. وليس الوحش الذي سيأتي من روما في نهاية الزمان ويقيم العهد مع إسرائيل ثم ينقضه(راجع دانيال27:9).

(6) راجع سفر الرؤيا12:16-16. مع العلم أن أوصاف هذه المعركة المدوّنة هنا لا تتوافق مع تطور الأسلحة الحديثة لا سيما سلاح الصواريخ العابر للحدود والقارات. 

(7) راجع سفر دانيال الأصحاح السابع.      

(8) بشارة متّى34:24.

(9) أعمال الرسل30:17-31: «فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضياً عن أزمنة الجهل. لأنه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عيّنه مقدِّماً للجميع إيماناً إذ أقامه من الأموات».

(10) رسالة بطرس الرسول الثانية10:3-13: «ولكن سيأتي كلص في الليل يوم  الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها. فبما أن هذه كلها تنحل أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى، منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السموات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سموات جديدة وارضاً جديدة يسكن فيها البر إلى الأبد».

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع