مشاركة فيديوهات ومقالات بالعربية

جليليون (1) - اللهُ لَطَفَ - جاسر الياس داود

0.00 - (0 تقييمات)
نشرت
600
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

جليليون (1) - اللهُ لَطَفَ - جاسر الياس داود

الجميع جالسون يشاهدون من على الشاشة الصغيرة تقريراً عن حياة بعض اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، ومن هذه الصور، كانت صورة لمسنّ تحدّث عن أقاربه في بلدة عربية هُجّر سكانها مثلما هُجّر سكان بلدته، وإذ بالجدّ الجالس مع أولاده وأحفاده يضحك باستمرار وبصوت عالٍ وهو يشير بيده الى المسنّ، ثمّ ينفجر بالبكاء بصوت عال أيضاً.

 الجميع ذُهلوا لمشاهدتهم عمدة البيت يبكي كالأطفال، ولم ينبسوا بكلمة، لأن جميعهم رُبطت ألسنتهم بقوة غريبة، أهي صدمة بسبب هذا المشهد المؤلم لأبيهم، أم حالة من الإستغراب منعتهم من التحرّك حتى بألسنتهم؟!!! ساد الهدوء والسكوت التام الغرفة، ثمّ قام الابن البكر وأقفل جهاز الشاشة الصغيرة، فصرخ عليه والده وقال: إفتح أو شغّلْ التلفزيون يا ابني وسأسرد عليكم ما حلَّ بي قبل قليل.  أعاد الابن تشغيل الشاشة الصغيرة، والهدوء ما زال يسود الغرفة الجالسين فيها.                                                                                    

 تنهّد الوالد بعد أن أكمل اللاجئ الفلسطيني حديثه من على الشاشة الصغيرة وقال :  يا ولادي وحفادي إحنا كُنّا ممكن نصير ونعيش حياة هذا اللي حكى عنّا وعن قرايبو ومعارفو، ممكن كان نكون في مخيّم من هاي المخيمات في الأردن أو في سوريا أو في لبنان أو في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، لكن الله سَتَر وإرادتو كانت أن ابقى هون. صحيح إحنا تهججنا من بلدنا وبنوا اليهود محلها أو بالقُرب منها مستعمرة يهودية، ومنعونا من العودة لبلدنا، ومنعونا من كتّ شجر الزيتون اللي زرعو إبياتنا وجدادنا. بس بشكُر ربي اللي خلاّني في بلادنا، وبنشوف بعضنا البعض إحنا وِوْلاد البلدة اللي هججونا منها في المناسبات إنْ كان فرح أو كرَه. وبنتحدّث عن هديك الأيام،أيام الحصيدة والدراسة على البيدر، وعن أعراسنا كيف كُنّا نِتْجَمَّع كلنا،هذا يجيب الحطب وهاي تجيب الكعك، وهذا يجيب الكاز وهذا يجيب الزيت والطحين، الكل بشتغل وكأنو العرس لإبنهِن،ما كان حدا يعرف مين ام العريس،الكل بشتغل من قلب ورب، الشباب بتصحج وبتعَتِّب وبتِدْبِك. مِش زي اليوم بروح الواحد عَ عرس قريبو وِمْحَملو الف جميلة،أو بروح رفِع عَتَب،بَطَّل فيه هناك إلفِة ومحبة زي زمان.                                  

 شوفوا شو بحكي أخونا الفلسطيني اللي شفناه بالتلفزيون، ،كيف بديرو بالهن على بعضهن البعض رغم المآسي إلاّ انهِن بعدهن بحنوا على بعضهن البعض، وبساعدوا بعضهن البعض لأنو حياتهن مشتركة، وشو بصير عَ الواحد منهن بصير عليهن. الجور والظلم والغربة عن الوطن علّمتهن المحبة والحنان والخوف على بعضهن البعض. تعلّموا منهن يا ولادي ويا حفادي.  وهنا وقف أحد الأحفاد وسأله: يا جدّي ليش ضحِكِت وبعدين بكيت؟!!  بتغدر تقولنا شو هالقصة؟                                                                                           " مَجَّ " الجَدُّ مجّة طويلة على السيجارة،وهو يحدّق بالحفيد وقال: لوما إبن طعّام العيش يا ابني ما كُنّا هون، وما شُفتَك واقف قدّامي.             

 ليش سيدي فهِّمْنا ليش؟!! أجاب الجدّ:   والله يا سيدي في كثير ناس هجُّوا، لمّا سمعوا شو صار بالبلدات الأخرى من دمار للبيوت وهدم وتشريد أهاليها، واللي منهِن نقتل دون سبب،وهيك إحنا رحّلونا عن ديارنا وركّبوا البعض منهن وأنا واحد من هدول وكبّونا تلا جنين، في البعض ضلو مكَمِّل تلا جنين وهديك المنطقة، والبعض كان يتسلّل بالليل ويعود لبلادو. إحنا كنّا نرجع عَ بلد مِش بَلَدنا، كُنّا نِرْجَع عَ البلد اللي كنّا نِشتغِل فيها قبل ميشردونا عن بلدنا الأم أو الأصلية اللي عاش فيها آباؤنا وأجدادنا. كان العسكر يحَملونا بسيارات الشحن ويْكِبونا مرّة ومرتين وثلاثة وأكثر عند منطقة جنين، البعض يكَمِّل طريقو زي مَقُلْت قبل شوي، والبعض حاول يرجع وأنا واحد منهن، يعود العسكر ويطَوِّق البلد مرة أخرى، وكمان مرة يكبونا عند جنين. طيّب ليش مَكُنْتِش تروح عَ بلد ثانية ما دام الجيش والعسكر بِمِسْكوا وبِكِبوكوا عند جنين؟ سأل الحفيد.  

 أجاب الجدّ: والله يا جدّي كنّا نعمَل سنين كثيرةعند واحد ملاّك، كانوا يسمونه في المنطقة " طَعَّام العيش "، وهيك صرنا نعرف كثير من أهل البلد وهَنّي يعرفونا. مرات كانوا يخبونا من وجه الجيش والعسكر ومرات ما يغدروش، لأنو الجيش كان ييجي على غَفلِة  وبدون ما حدا يِعلَم.  الحفيد: طَب ليش عَذَّبِت حالَك،ما كُنت تروح مع اللي راحوا عند البلد جنين وعيش هناك.   يا جدّي، أنا بدّيش أعيش في المخيمات، زي هذا اللي شفناه بالتلفزيون، أنا بدي أضلني فوق أرض بلادنا، ومن هون بدنا نطالب بحقوقنا، وإذا ما حصلنا عليها، معقول في زمن أبوك أو في زمَنَك إنتو بتحصلوا عليها، يا جدّي ما بضيع حق ووراءه مطالِب. ضلّيت على هالحال تأجا ابن طعّام العيش من لبنان، وهو توَصَتلي مع اللجنة الثلاثية ومع الحاكم العسكري اللي كان بالبلد وكان اسمو صبّاح، وسمحوا لي أن أبقى في البلد اللي إحنا إسَّا فيها.  سألَ الحفيد: البلد اللي كُنت فيها يا سيدي بعيدة عن البلد اللي إحنا عايشين فيها اليوم؟                        

 أجاب الجد: يا جدّي، زمان كانت هاي البلد بعيدة عن البلد اللي إحنا اليوم عايشين أو ساكنين فيها،لأنو ما كان سيارات كثيرة بهداك الوقت وما كانت الشوارع مزفَتِّة زي اليوم،كنا نستعمل الدواب الحمير والحصن أو كنا نمشي عَ إجرينا عشان نتنقّل من مَحَل لمحَل أو من بلد لبلد. اليوم في شوارع مزفتة وسيارات كثيرة،بحدود أقل من سيعة بنغدَر نوصل لبلدنا اللي هجّجونا منها ومِنزورها.  

 شو هي العلامات اللي بقيت في بلدك يا سيدي؟ سأل الحفيد  أجاب الجد: الزيتون والصبّار،إنتو الأطفال بتعرفوه بإسم الصبر.  يعني يا سيدي، إذا فتّشت ولقيت في منطقة قريبة من البلد اللي إحنا عايشين فيها صبر وزيتون، بتكون هاي بلدَك اللي عشت فيها قبِل مَ يرحلوكو عنها؟   لا يا جدّي، هناك كثير من القرى والبلدات الزغيرة اللي هُدمت وشرّدوا أهلها،وكل هاي القرى كان سكانها يزرعوا أشجار الزيتون والتين والرمان والصبر، أكثر من خمس ميت قرية وبلد عربية هدموها اليهود وشرّدوا سكانها.

 طَب كيف بدِّي أعرف يا سيدي البلد اللي كنت فيها،قبل ما تيجوا لهاي البلد اللي إحنا عايشين فيها،وإنت مريض كثير وما تغدَر تقوم من الفرشة؟!!                                      تنهّدَ الجدّ تنهيدة مع زفير وحدّق بالحفيد وضمَّه الى صدره وقبّلَه بحنو ولهفة، وقال: هاي بسيطة يا جدّي، بتعرِف مين كَتَب كتاب اسمه: عائد الميعاري يبيع المناقيش في تل الزعتر؟ وعايش في بلدة كابول اليوم ومن نسايبنا؟   والله يا سيدي صعّبت عليّ السؤال. قال الحفيد. لأني قرأت كثير لكتابنا اللي هون، وهذا الكتاب إذا مش غلطان قرأت اكثر من مرة، بس إسّا راح عن بالي اسم المؤلف،أمّا أنا متأكِد راح أتذكرو.  ليش يا جدّي؟   لأنو في كثير بكتبوا من كابول، في من دار هيبي ودار طه ودار بدران وغيرهن.  يا جدّي مادام بتقرأ شو بكتبوا كُتّابنا وشعراءنا اللي هون، فِش خوف إنو يضيع حقنا. عشان هيك راح أسهِّل عليك معرفة البلد اللي كنّا ساكنين فيها. قلتلي إنّك قرأت هذا الكتاب يا جدّي، بَس ما بتتذكَّر اسم اللي كتبو. الله يرضى عليك يا جدّي، بُكْرَة أبوك بوخدَك لكابول، وهناك إسألوا عن اللي كتب هذا الكتاب،وهو بوخدكو عَ بلدنا اللي هجّجونا منها.  

سأل الحفيد: شو إلو هذا الكاتب بالبلد اللي عشت فيها يا سيدي؟   أجاب الجدّ: لمّا تقابلوه إسألوه منين هو وكيف بعرف بلدنا،وهو بقلكو . وقلولو لهذا الكاتب لمّا توَقفوا فوق أرض بلدنا: إكتبلنا شعورَك إسّا، عشان سيدي يشم هَوا بلدو من ريحة الورقة المكتوب عليها، وشكراً إلَك.

600
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

جاري التحميل