• صورة الله في المسيحية الفلسطينية - بقلم القس حنا كتناشو

تحدثنا عن صورة الله اللغة التأنيسية في المقال الأول ثم عن صورة الله واللاهوت في المقال الثاني. والآن سنتحدث عن صورة الله في المسيحية الفلسطينية. ويمكننا أن نقول أن صورة الله تبرز في ثلاث علاقات: العلاقة مع الله، ومع الإنسان، ومع الخليقة. وتتحدد العلاقة مع الله في عهد الخليقة كما حصل مع نوح. فجميع البشر أولاد الله بالخليقة لأنهم أبناء آدم وبنات حواء. وهذه العلاقة ثابته لا تتغير. فمهما ابتعدنا عن الله لن نستطيع أن نقطع صلتنا بآدم وحواء. ولهذا كل البشر مخلوقون على صورة الله بدون استثناء وسافك دم أي إنسان يُسفك دمه لأن الله عمل الإنسان على صورته (تكوين 9: 6). إضف إلى ذلك، ثمة جانب آخر من صورة الله يتعلق بعلاقة الإنسان مع خالقه ولكن ليس بواسطة آدم وحواء، بل بواسطة العهد مع الله. وتتشكل هذه الصورة بالعهد مع الله. فإما أن تتشوه أو أن تتنقى. وكلما نبتعد عن الشر ونستبطن الخير بنعمة الله وتدبيره تتنقى صورة الله فينا. ويختفي التشوه الأخلاقي والعلاقاتي. وعندما نتشبه بالله نتعامل مع البشر والخليقة كما قصد فينتج كل خير ورحمة وعناية وثمر. وحتى الأرض تزهر والطبيعة تفرح دلالة على تحقق قصد الله في الإنسان.

          في ضوء ما سبق وما قيل في المقالين السابقين، ثمة أمران مهمان. أولا، علينا كفلسطينيين مسيحيين أن نشدد على كون اليهود والمسلمين والملحدين وكل سكان هذه البلاد مخلوقين على صورة الله بسبب صلتهم بآدم وحواء. وبالتالي جميعنا إخوة وأخوات بالخلق. ويجب أن يدعونا هذا التشديد إلى تثمين حياة كل إنسان مهما كانت خلفيته. فحياة كل يهودي هدية ربانية وحياة كل فلسطيني هدية سماوية لنا جميعا. فيجب أن نحتفل بكل إنسان لأن كل البشر إخوة وأخوات لا يحق لنا أن نظلم أي أحد منهم، بل نحن مطالبون أن نحافظ على حياتهم بكل قوتنا إكراما لله أبينا جميعا.

          الأمر الثاني هو أن صورة الله قد تشوهت في البشر. ولهذا يجب أن نسعى إلى أنسنة أنفسنا أولا ثم أنسنة الإنسان اليهودي والفلسطيني. ولا نستطيع أنسنة الإنسان دون السلوك في درب المحبة. فمحبة الله والقريب جوهر العلاقة التي قصدها الله وروح الإنسانية. بدونها نفقد بشريتنا ونتحول إلى وحوش ضارية. ولهذا يجب أن نتبنى سياسة المحبة وطرقها في التعامل مع خلافاتنا الاجتماعية والدينية والسياسية. والمحبة لا تعني التخلي عن العدالة والحق بل تسعى إلى العدل بمنظور يخلو من الانتقام والمرارة والكراهية. وتبني المحبة مستقبلا يخدم مصلحة كل الأطراف ويخلو من الإنانية والخداع والمماطلة. وكمسيحي، أومن أن أفضل نقطة بداية لرؤية هذه المحبة وفهمها هو التأمل في حياة السيد المسيح وتعاليمه ومواقفه كما ظهرت في الأناجيل المقدسة.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع