• تأملات من العهد القديم: ملكة سبأ (1 ملوك 10) - بقلم القس حنا كتناشو
تأملات من العهد القديم: ملكة سبأ (1 ملوك 10) - بقلم القس حنا كتناشو

بعد سماع ملكة سبأ العربية أخبار سليمان، عزمت على الذهاب إلى أورشليم لتلتقي بملك إسرائيل وتكتشف صدق ما قيل عنه وعن إلهه. أعدت الملكة العربية نفسها لرحلة طويلة قد تدوم بضعة أشهر. فالمسافة هي أكثر من 2200 كيلومتر من اليمن لأورشليم. والطريق الصحراوية مليئة بالتحديات. فالقافلة بحاجة للماء والطعام والحراسة المستمرة ضد كل قطاع الطرق، خاصة أن الملكة العربية تحمل آلاف الكيلوغرامات من الذهب والكثير من الحجارة الكريمة والأطياب (1 مل 10: 10). لا عجب أن العديد من الباحثين قدروا قيمة قافلتها ببلايين الدولارات. فلماذا هذه المخاطر؟

 

أرادت الملكة العربية أن تمتحن الملك سليمان لتتأكد من مصداقية ما سمعته. فجاءت بكل حكمتها لتمتحن حكمته بمسائل أو بأحجيات (لنسوتو بحيدوت). لقد كانت مستعدة أن تمارس الحوار الديني وتبحث عن الحق بكل جهدها. وأرادت أن تعرف الحق من مصادره الأصلية. أرادت الملكة العربية أن تعرف الحق من مصادره الأصلية. فلم تكتف بشروحات الآخرين عن الحق. ولم تقبل ما يقوله الناس عن "فلان وعلان،" بل أرادت لقاء شخصيا. لم ترض بأقاويل الناس، بل أرادت أن تلتقي الشخصية الرئيسة التي تتكلم عنها التقارير. ولم تخف أن تسأل الاسئلة الصعبة بإنفتاح وبدون تعصب. ولم تتردد في مواجهة الاسئلة الصعبة. قال الرابي إرميا بن شالوم: إن ملكة سبأ سألت سليمان احجية قائلة: "ابوك وابي واحد، وجدك هو زوجي، وأنت أبني وأنا أختك." فكيف يكون هذا؟ أجاب سليمان: لقد تم هذا الأمر مع بنات لوط اللواتي تزوجن ابيهن وأنجبن منه أولادا. ليس هذا هو المقصود بالأسئلة الصعبة. لقد وضعت ملكة سبأ حكمتها ومعرفتها وأسئلتها في مسائل أو أحاجي. وتكلمت بكل ما في قلبها (1 مل 10: 2). فقد تكون ديانتها خاطئة وربما بعض تقاليدها مضلله، ولكنها لم تخف من مواجهة الحق بدون تعصب. لقد بحثت بصدق عن الحق العميق وليس الحق السطحي.

ثم قادها البحث عن الحق إلى عبادة الله بالحق. أدركت ملكة سبأ أن الله هو مصدر الحق. وقالت لسليمان: "ليكن مباركا الرب إلهك الذي سر بك وجعلك على كرسي إسرائيل. لأن الرب أحب إسرائيل إلى الأبد جعلك ملكا، لتجري حكما وبرا" (1 مل 10: 9). أدركت ملكة سبأ أن محبة الله لإسرائيل تخلو من المحاباة ضد الشعوب الأخرى، بل هي وسيلة إلهية تتفجر من خلالها ينابيع العدل والبر. فهدف إختيار الله لسليمان هو أن يجري حكما وبرا. ويستخدم النص العبري الكلمات الشهيرة: "مشبط أوتصدقه" أي عدلا وبرا.

 

لقد رأينا امرأة عربية تبحث عن الحق بكل جهدها، ومن مصادره الأصلية، وتسأل الاسئلة الصعبة. باركها الله. لأن من يطلب الحق من كل القلب سيجده. وهذا وعد الله لكل من يطلبه. وأيضا، رأينا أن إكتشافها للحق قادها إلى عبادة الله. ونحن نرجو من القارئ لا أن يكتشف العقيدة الصحيحة فحسب بل أن يعبد الله أيضا من كل القلب بحسب الإعلان الحق.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع