• معاش بولس المسلوب - القس حنا كتناشو
معاش بولس المسلوب - القس حنا كتناشو

كان من حق الرسول بولس أن يستلم مكافئة مالية على خدمته وتعبه للكنيسة. للأسف، لم تقدم الكثير من الكنائس شيئا للرسول الذي خدمهم بأمانة. وهكذا كان الرسول يتعب بالعمل إذ يقول: "نتعب عاملين بأيدينا" (1 كور 4: 12)، "أنتم تعلمون أن حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان" (أعمال 20: 34)، "فإنكم تذكرون أيها الإخوة تعبنا وكدّنا إذ كنا نكرز بإنجيل الله ونحن عاملون ليلا ونهارا كي لا نثقّل على أحد منكم" (1 تسالونيكي 2: 9). للأسف، مايزال الوضع مشابها في كثير من المؤسسات المسيحية والكنائس التي تسلب خدام المسيح أبسط حقوقهم. فثمة خدام يفتقرون إلى توفيرات التقاعد ولا يستلمون أية مكافئات مالية على تعبهم الشهري في سبيل خدمة أعضاء الكنائس. يجب أن نعتني بخدام الرب الأمناء بطريقة أفضل. ويتسرع الكثيرون ليتحدثوا عن أنموذج الخادم الغني الذي يسلب الناس ويخزن الأموال. ربما هذا صحيح في بعض الأحيان ولكن هذا المقال لا يعالج قضية الخادم الفاسد بل قضية الخادم الأمين الذي يجب أن يعيش بكرامة وإلا ستفقد الكنيسة بركة الرب وكرامتها. 

على أي حال، يقدم الرسول بولس احتجاجه لكنيسة كورنثوس في رسالته الأولى لهم وفي الفصل التاسع. وأجد خمس نقاط رئيسية في احتجاج بولس الرسول. أولا، يقول الرسول: ألعلنا ليس لنا سلطان أن نأكل ونشرب؟ ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجة كباقي الرسل وإخوة الرب وصفا؟ (1 كور 9: 4 – 5). يؤكد الرسول بولس أن من حقه أن يعيش كباقي البشر فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للحياة. فمن حق خادم المسيح أن يأكل ويشرب ويتزوج. ومن حقه أن تُسدد حاجاته الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وتعليم. فيجب أن يتوفر لأسرته ولأولاده فرص التعليم ويجب تسديد حاجاته المتعلقة بالتأمين الصحي وتأمينات الشيخوخة. فمن حق الخادم وأسرته أن يعيشوا كأفراد كنيستهم ويتمكنوا من اللباس والتنقل والتعلم بصورة لائقة ومناسبة للمجتمع الذي يعيشون فيه. 

ثانيا، يقول الرسول بولس: من يغرس كرما ومن ثمره لا يأكل؟ أو من يرعى رعية ومن لبن الرعية لا يأكل؟ (1 كور 9: 7). يسأل الرسول أسئلة استنكارية في احتجاجه. ويهدف بهذه الأسئلة أن يحفز الكنيسة على مراقبة الحياة واستنتاج العبر الصحيحة. فالعدل والحق أن يأخذ العامل أجرته. فكم بالحري الإنسان الذي يخدم الله أفضل موظف؟ وكم بالحري الإنسان الذي يخدم أتباع المسيح الذين من المفروض أن يكونوا مقياسا للعدل والبر؟ ويشرح الرسول أن الخادم مثله مثل المزارع الذي يعمل في كرم ومن حقه أن يأكل من الثمر. والخادم مثله مثل الراعي الذي يعتني بالرعية ويشرب من لبنها. ويضيف الرسول أن الخادم مثل الثور الذي يُستخدم في الزراعة لحراثة الأرض ودرس الحبوب. ثم يستدرك قائلا: "ألعل الله تهمه الثيران؟" (1 كور 9: 9). إن الله يريد أن يبين لنا أن المزارع يهتم بثوره الذي يخدمه فكم بالحري يجب أن يفعل شعب الله بخادم المسيح الذي يضحي من أجل الإنجيل؟ 

ثالثا، يضيف الرسول بولس نقطة ثالثة في احتجاجه فيقول: إن كنا نحن قد زرعنا لكم الروحيات، أفعظيم إن حصدنا منكم الجسديات؟ (1 كور 9: 11). وكأن الرسول يلمز أن أجرته غير الممنوحة أقل بكثير مما يستحق. فلقد وهبهم بركات الله العظيم فعرفوا من خلاله نعمة الخلاص والفداء والتسبيح والحكمة والاقتراب من الله والسلام والمحبة والطهارة والغفران والإيمان. إن قيمة هذه البركات أعظم جدا من أي ثمن يستطيعون أن يدفعوه. فهم لا يدفعوا مقابل ما يقدمه من روحيات بل ليشكروه على أمانته في خدمتهم وعلى الوقت الكثير الذي استثمره في رعايتهم. 

رابعا، يقول الرسول أنه لم يستعمل سلطانه ويمارس حقه في تحصيل الأموال من الكنيسة. وهكذا يضيف، "نتحمل كل شيء لئلا نجعل عائقا لإنجيل المسيح" (1 كور 9: 12). لقد تخلى الرسول عن حقوقه الشخصية عندما وجد أن المطالبة بها سيبعد البعض عن الإيمان الصحيح. فهو لا يطالب بالمال من أجل الاغتناء بل يسعى إلى العيش الكريم. وهو على أتم الاستعداد أن يتحمل ويتعب ويكد ويتألم لئلا يتعطل إنجيل المسيح. 

خامسا، إن تنازل الرسول عن حقه الشخصي لا يعني تنازله عن المبدأ الكتابي. ولهذا يقول الرسول: "أمر الرب: أن الذين ينادون بالإنجيل، من الإنجيل يعيشون" (1 كور 9: 14). وهنا يظهر الرسول أن دافعه هو امتداد الحق وليس الحصول على امتيازات شخصية. 

إن موضوع المال شائك وحساس في بلادنا. إلا أنه يجب أن تقف الكنائس وقفة حق وتقيم الواقع المالي لكثير من خدام الكنائس الإنجيلية. فقسم كبير منهم لا يتلقون أية أجور ويعيشون في ضيقة مالية ويعاني أولادهم ويتعرضون لتجارب لا حاجة لها. ويعاني خدام آخرون بسبب عدم توفر مخصصات للتقاعد أو للشيخوخة بالرغم من أمانتهم في خدمة المسيح وكنيسته. 

فماذا يجب أن نعمل؟ أولا، يجب أن نكون أسخياء في العطاء. فدعم خادم المسيح هو دعم لامتداد الإنجيل وانتشار كلمة الله. والمعطي المسرور يحبه الله. ثانيا، يجب أن نكون وكلاء أمناء على أموال الكنيسة فنقدم التقارير المالية الصحيحة ونضع الرؤيا المالية بروح الصلاة والإصرار على خدمة الفقراء والمحتاجين ودعم خدام المسيح. ثالثا، يجب أن نشدد على أهمية التعليم الصحيح المتعلق باستخدام أموالنا في سبيل خدمة الإنجيل. رابعا، يجب أن نخلق الآليات الصحيحة في كنائسنا لتفعيل الناس في خدمة الإنجيل وابراز الجانب المالي بصور لائقة وشفافة. لنصلي أن يعيننا الرب أن نحبه بكل أموالنا فهذا هو الامتحان الذي سيظهر أن كنا نحب الله بكل قلبنا.   

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع