• فان هُم ذهبت اخلاقُهم، ذهَبوا! بقلم: بطرس منصور

تربيت في بيت يخاف الله. ولم يتناقض ما تشبعته في حداثتي من أهلي مع ما تعلمته وعاينته واختبرته من معلميّ في المدرسة. وكان مفاد تربيتي ان الله يتوقع منا الاخلاق الرفيعة. الاخلاق الرفيعة تتجلى، فيما تتجلى، بالتصرف الطيب والكلام الحسن.

ويتناسب هذا مع تعاليم الانجيل ومع ما اتخذه المسيحيون شعاراً. وهكذا ادى المسيحيون دوراً جماً في البلاد التي عاشوا فيها في تشكيل ثقافة من نفس الطراز بين الشعب برمته. ويمكن التمعن بالتجربة الأوروبية والأمريكية بهذا الصدد. فثقافة الآداب في التعامل بين الجيران والمعارف تميّز هذه المجتمعات. يُسرع المرء فيها لركن الباب وإعطاء المجال لغيره للدخول لمكان عام قبله وذلك دون أي معرفة مع من تُقدم له الخدمة، بينما يتزاحم ويتسابق الناس في بلادنا للدخول. كما تتميز هذه الثقافات بأصول التعامل التي يحيي فيها المرء الغريب قبل القريب بتحيات الصباح والمساء، بينما يخيم الوجوم والعبوس والنظرات الباردة بين الناس عندنا. كما ويتسم الحديث بين الناس بالكياسة واللطف في تلك الثقافات فلا يقاطع أحدهم الآخر مثلاً بينما تظن الحديث عندنا قتالاً ومنافسة. ويظهر ذلك ايضاً في ثقافة السياقة وعلى سبيل المثال لا الحصر في ضرب بوق السيارة (الزامور) فقط في حالات طارئة واضطرارية، بينما هي عندنا اشبه بالأدغال.

طبعاً آداب التعامل هي الدرجة السفلى في سلم القيم، اذ تسبقها قيم الأمانة والصدق والعدل والشفافية وغيرها. ونجد تلك القيم قد تجسدت على شكل قوانين وأنظمة في بلدان أوروبا كقسم من نسيج الجهاز الحكومي والفردي الخاص فتقوم أذرع السلطة بتأكيد تنفيذها.

منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة- طرأ خلل على هذه المنظومة. فالمذكور شخص وقح واخلاقه وسخه. فتاريخه مع النساء قبيح بكل المفاهيم وتفوهاته بصددهم معيبة وتحمل رموز جنسية (واحياناً حتى اكثر من ايحاءات وانما كلام جنسي سافر وسافل). كما انه استخف وشهّر بدول وشعوب غير بيضاء (مثل السود في امريكا ومواطني المسكيك وهاييتي). ولا يقتصر الامر على كلام بذيء وعقيم وتشهير واستعلاء بل أن اعماله مناقضة لمبادئ العدل والمساواة. كل هذا مناقض لما يعلّمه الانجيل ولما نادى به وطبقه المسيحيون الأمناء على مر العصور. ولكن ويا للعجب فان اعداد كبيرة من المسيحيين في أمريكا، وبالذات من الانجيليين البيض، دعمته في الانتخابات وتستمر بدعمه اليوم!

طبعاً تفسير هذا الاشكال معقّد، فالدعم لترامب عند بعض المسيحيين لم يكن حباً واعجاباً بشخص ترامب وانما نفور واستياء من النهج اللبرالي المتطرف عند خصومه لصالح حقوق إضافية للمثليين وتجذير حق الإجهاض ودعماً لبعض السياسات التي وعد بانتهاجها والتعيينات التي تعهد بتنفيذها. ولكن ورغم ذلك فان هذا الدعم لشخص الغريب في تصرفاته وكلامه عن القيم التي آمنا بها ومن مجموعات ترفع لواء الانجيل، سيعود وللأسف بنتائج وخيمة عليهم وعلى رسالة الانجيل وكيف يراها الناس.

نادى المؤمنون المسيحيون وطبقوا القيم المسيحية التي تحترم الآخر وتحبه وتغفر وتتعاطف فمن هنا وعلى مر العصور بنوا المستشفيات والملاجئ والمدارس وقاموا بحملات الإغاثة ومساعدة الفقير. وهكذا فان دعم شخص متبجح ووقح وعديم القيم والاخلاق كترامب يثير اسئلة في اذهان من يراقب الحالة. ان رد الفعل التلقائي هو شعور بعدم جديّة من نادوا بهذه القيم او وبانتهاجهم لتوجه مزدوج، فيرفض المراقب الاستماع للكلمة التي نادوا بها.

بالإضافة لذلك- فإنها توحي للناس ان الاجندة السياسية عند داعمي ترامب، ومن هم على شاكلتهم في دول أخرى، أهم من ايمانهم وقيمهم، مما يثير الاستخفاف بالرسالة نفسها.

لقد أخطأ الانجيليون الامريكان سابقاً في دعمهم لإبقاء نظام العبيد في بلدهم-الامر الذي اثار حفيظة باقي المجتمع الذي وللأسف سبقهم في تنوره وتقدمه. وهكذا اضطرت الكنيسة الانجيلية في أمريكا ان تعتذر عن ذنبها ذلك بعد مرور عقود.

ليتنا نتعلم ان نؤمن بفعالية كلام الانجيل ولا ننكر قوته، وان نتمسك بما آمنا، حتى لو ضلّ مسيحيون في بلاد كثيرة عن ذلك لكي نبقى أمناء لمن دعانا.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع