• ما بين المسيحيين في بلادنا وامريكا! بقلم: بطرس منصور
ما بين المسيحيين في بلادنا وامريكا! بقلم: بطرس منصور

تتسم المسيحية فيما تتسم بأنها تطالب اتباعها باتباع ناموس المحبة. أي انها لا تضع ثقل نواميس وقوانين وأنظمة على اتباعها بل ارشاد موجه عام هو المحبة والغفران والتعاون والقبول وغيرها، كما جاءت في الاناجيل.

 

طبعاً يطبق المؤمنون الارشادات ذات الفحوى القيمي بحسب دراية كل شخص وفهمه لها. وحيث ان جبلة الانسان ساقطة لذا فان التطبيق يكون غير موحد، بل وحتى مختلفاً بين فرد وآخر وبين شعب وآخر رغم تشابه الايمان.

 

ان أحد الأسباب الرئيسية لهذا الاختلاف في تطبيق شريعة ناموس المحبة القيمي المسيحي هو الانتقائية عند كل فرد واختلاف الأولويات. فمثلاً قد يظن مؤمن غربي ان اهم الأمور التي يتوجب النظر اليها والتطرق اليها هو العلاقة بين الجنسين او العلاقة بين الجنس الواحد. بينما ينظر مؤمن في منطقة ضربها وبأ الحرب ان اهم الأمور هي الحرب والسلام ويتوجب وضعها في اول سلم الأولويات. كما ان ظروف الحياة التي يعيشها كل مؤمن بحسب مكان سكناه الجغرافي يجعل تطبيقه لقيم الانجيل مختلف اذ ان اختبار ظروف الحياة يخلق ديناميكية مختلفة بين شخص اختبر وآخر لم يختبر.

خير مثال على ذلك هو ما نشهده هذه الأيام من بون شاسع في المواقف المتعلقة بالقدس والسيادة عليها ما بين مسيحيي فلسطين وإسرائيل من جهة ومسيحيي أمريكا من جهة أخرى.

فتصريح رئيس أمريكا دونالد ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل جاء إثر ضغط مكثف من انجيليي أمريكا عليه ليفعل ذلك. بالمقابل استاء المسيحيون من سكان الضفة الغربية وإسرائيل بدرجات متفاوتة من هذا التصريح. وقام رؤساء الطوائف المسيحية في الأراضي المقدسة بإصدار بيان معارض لهذا التصريح وكالعادة لم يوقع قادة الانجيليين على هذا البيان. ولم يتم اصدار أي بيان او اعلان رسمي منفصل من انجيليي البلاد او الضفة حول البيان رغم ان الشعور الإنجيلي الشعبي العام كان متحفظا من اعلان ترامب. كيف نفسر هذا الاختلاف بين موقف الانجيليين الامريكان بشكل عام وبين موقف مسيحيي البلاد (وبضمنهم الانجيليين على الصعيد الشعبي العام)؟

تتحكم بالإنجيليين الامريكان منظومة لاهوتية صهيونية تقود اغلبهم للتعاطف مع اليهود ولدعمهم السياسي بدرجات متفاوتة بينما لا يؤمن المسيحيون بغالبهم في البلاد بهذه المنظومة. ويتعدى الامر ذلك ليشمل ما ابتدأنا مقالنا هذا فيه. فاختبار العربي المسيحي في بلادنا لظروف الحرب والسلام والصراع المستديم والظلم والتمييز الواقعين على الفلسطينيين تجعله يضع قيمة العدل في مكان مرتفع. وكما ينظر الفلسطيني المسيحي للأمور من منظار محبته لشعبه ومعاناته هو الشخصية، ينظر المسيحي الأمريكي اليها من منظار التأثير عليه من اللوبي الصهيوني والاعلام المعادي للعرب والمسلمين وهؤلاء لا يبخلون وللأسف في توفير فرص كثيرة لتأجيج هذه الكراهية. يضاف لذلك روح أمريكية متغلغلة حتى في الكنائس هناك تعتبر تجربتها هي الوحيدة ذات القيمة نظراً لكونها دولة عظمى وحيدة اليوم.

من هنا ورغم الايمان المسيحي المشترك غير ان التطبيق مختلف تمام الاختلاف بسبب ظروف خارجية اثرت في انتقائية القيم بكل حالة والى تبايناً في النتائج.

لا مفر من المساهمة في إعطاء صورة كاملة للمؤمن المسيحي الغربي المختلف عنك في مواضيع عديدة وبضمنها موضوع الأرض وهو بالنسبة لنا ليس موضوعا لاهوتيا نظرياً ولكنه يمس حياتنا بشكل مباشر. ذلك الحوار ما بين المؤمنين من خلفيات مختلفة يمنح صورة اشمل ووضوحاً في التطبيق الذي يتوجب العمل فيه، وقد رأينا صورة اشمل واوسع يتعدى نظرنا من ثقب قفل الباب الذي اعتدنا عليه.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع