مشاركة فيديوهات ومقالات بالعربية

اضطراب الهوية الانشقاقي- سمير خطيب

1.00 - (1 تقييمات)
نشرت
807
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

اضطراب الهوية الانشقاقي- سمير خطيب
اضطراب الهوية الانشقاقي

د. سمير خطيب

 

*عن انفصام الهوية لدى أتباع الفكرين الديني والقومي للاقلية العربية في اسرائيل

 

*أن تكون فلسطينيا معناه أن تكون مختلفا عن الآخر ليس اختلاف النقيض بل اختلاف التميز، أيا كان هذا الآخر

 

*إن كان الدين والقومية جزأين من هويتنا الفلسطينية، فهذا لا يعطي لهويتنا أي خصوصية، لأنهما قاسم مشترك بين عدة دول عربية

 

 

إن النكبة أساس تشكيل الهوية الفلسطينية بعد أن كانت هوية فلسطين عربية إسلامية مسيحية مليئة بالرموز اللغوية والدينية والحياتية ولكن منذ عام 48 وحتى اليوم لم تتبلور الهوية الفلسطينية الجامعة لكل الفلسطينيين لانها لم تكن مكتملة عام الانهيار (1948) وضياع الارض والانسان. وما تكون بعدها ثلاث هويات مختلفة تبعا للجغرافيا والسياسة وهي هوية الفلسطينيين بالشتات وهوية الفلسطينيين بالضفة وغزة (مناطق السلطة) وهويتنا نحن الباقين على ارض الآباء والأجداد (الفلسطينيون في إسرائيل).
ما هي هويتنا ؟ وهل هي ضائعة ؟ واذا كانت الحركة الصهيونية وإسرائيل بمؤسساتها قد أدت الى تشويه هويتنا فما دورنا نحن في عدم بلورتها بالشكل الصحيح ؟
قضية الهوية قضية محورية إذ ان كل جماعة أو أمة تعوزها الهوية المتميزة ليُمكنها المعيشة والمحافظة على وجودها؛ فالهوية هي التي تحفظ سياج الشخصية، وبدونها يتحول الإنسان إلى كائن تافه فارغ غافل تابع مقلد؛ لأن للهوية علاقة أساسية بمعتقدات الفرد ومسلماته الفكرية، وبالتالي تحديد سمات شخصيته فتجعله إنسانًا ذا قيمة ولحياته معنى وغاية.
قد لا يتفق حزبان او شخصان بتعريفنا مَن نحن، واذا حاولنا تعداد التعريفات فهي كثيره مثل عرب اسرائيل، عرب 48، فلسطينيو الداخل، المرابطون في ارض الآباء والاجداد، الفلسطينيون في اسرائيل...الخ.
ولكن الانكى انه على المستوى الشخصي قد لا تجد اثنان يعرّفان عن انفسهما نفس التعريف وذلك لتناقض مفهوم القومية مع الجنسية ولتغليب البعض الدين على الوطن ولتغليب البعض الاخر القومية على الوطنية. وان ما يثار اليوم وأكثر من أي يوم مضى موضوع الهوية والانتماء لنا إنما هذا مؤشر على وجود حالة من القلق على الهوية والانتماء في ظل عالم معولم، فالهويات والثقافات الوطنية تعيش حالة صراع لإثبات الوجود وللحفاظ على الخصوصيات، فكيف بهوية كالهوية الوطنية الفلسطينية للاقلية العربية في اسرائيل التي تتعرض لتهديد متعدد المصادر: من الصهيونية التي تشكل حالة نفي للهوية الفلسطينية، ومن العولمة الثقافية، ومن الهويات الصديقة أو التي نتشارك معها في بعض الرموز والقيم المشتركة، كالقومية العربية والإسلام والأممية الإنسانية. 
لا شك أن كثيرا من الشعوب تعيش أزمة هوية أو تنازع بين الهويات وخصوصا ما بين القطري والقومي والديني والعلماني، إلا أن هذه الأزمة عندهم هي فكرية وإيديولوجية أكثر من كونها أزمة وجود، اما نحن فنختلف عن بقية الشعوب بالنسبة للهوية، فالمصري أو السوري أو المغربي، الخ، إن تخلى عن هويته القـُطرية يبقي مسلما أو عربيا يعيش على أرضه التاريخية، أما نحن إن تخلينا عن هويتنا أو وهنت هويتنا، تضيع الأرض أيضا لأن اسرائيل تريد تغييب هويتنا لطمعها بالأرض، فهويتنا مرتبطة بالأرض أكثر من أي هوية أخرى.
وبما ان الهوية الجماعية لكل مجموعة يتم بناؤها وصقلها عن طريق ادارة مركزية، هي غائبة في حالتنا (لدينا لجنة المتابعة غير القادرة على فرض اجندتها الا بالتوافق ونحن لا ننضوي تحت منظمة التحرير الفلسطينية) يقع الامر تحت مسؤولية الاحزاب المقسمة الى ثلاثة تيارات القومي والاسلامي والوطني الشيوعي ومن هنا يقع الاشكال في تعريف الذات وتعريف المجموعة التي ننتمي اليها ويخلق هوية مشوهة غير واضحة المعالم. فالتيار القومي يشدنا الى الانتماء العربي كمرجعية اساسية لهويتنا بغض النظر عن خاصيتنا الفلسطينية والتيار الاسلامي يذهب بنا الى ابعد من ذلك ويعتبر ان الدين هو المركب الاساسي لهويتنا بغض النظر عن وجود طوائف اخرى غير الاسلام بيننا وينفي الحق عن الاخرين ممن يختلف معهم بالرأي بهذا الخصوص، ويحاول فرض اجندته بشتى الوسائل واهمها استعمال الدين بالصراع المحلي حول تشكيل هويتنا.
ومما ذكر اعلاه لا يمكن القول إن الحديث عن هوية فلسطينية في داخل اسرائيل يعني القطيعة مع الهويات الأخرى ولا تطابق أفرادها في الدين والفكر والعرق، فالتعددية جزء من الهوية بالمفهوم الحضاري الديمقراطي ولكنها تعددية في إطار الوحدة، هوية لا تقوم على الإقصاء بل على الاستيعاب والتعايش. وعلى هذا الأساس يمكن للدين أن يكون جزءا من الهوية لا أن تغيب الهوية في إطار الدين، ويمكن للعروبة أن تكون جزءا من الهوية الفلسطينية، لا أن تغيب الهوية في إطار العروبة، وخصوصا أن العروبة والإسلام هما اليوم أدوات بيد أحزاب أو أنظمة توظفها لمصالحها أو لخدمة هويات عربية واسلامية اخرى.
إن كان الدين والقومية جزأين من هويتنا الفلسطينية، فهذا لا يعطي لهويتنا أي خصوصية، لأنهما قاسم مشترك بين عدة دول عربية، ان هويتنا هي ذاكرتنا، تقاليدنا ولهجتنا ولباسنا ومعاناتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا المشتركة، ورموز أخرى يجب استحضارها إن كانت مغيبة (استرجاع الفلكلور الشعبي مثل الدبكة التي حاولت الحركة الاسلامية تغييبها) وخلقها إن كانت غير موجودة (الانجازات والنجاحات السياسية والادبية العامة )مثل الايام الوطنية الجامعة كيوم الارض وهبة القدس والاقصى وشاعرنا محمود درويش). أن تكون فلسطينيا معناه أن تكون مختلفا عن الآخر ليس اختلاف النقيض بل اختلاف التميز، أيا كان هذا الآخر.
لقد حاول الحزب الشيوعي بناء الهوية الخاصة للأقلية العربية في إسرائيل على مدار السنين (مرحلة لملمة أشلاء الشعب ما بعد النكبة) ونجح بالحفاظ على خصوصياتها بظل الإمكانيات والظروف الصعبة ما بين خطر الترحيل والتهجير حتى خطر الانصهار والذوبان بالمجتمع الإسرائيلي، ولم يتم هذا الامر بسهولة بل بحنكة وعقلانية وتروّ وسياسة مبرمجة ومدروسة للحفاظ على التوازن ما بين القومي واليومي كفلسطينيين نحمل الجنسية الاسرائيلية لما في هذه التركيبة اللغوية والسياسية من تناقض. وعليه وبظهور الاحزاب القومية والاسلامية السياسية بدأ تشويه مسار بناء هويتنا كأقلية، وبدأ اللبس بتعريف ذاتنا كشعب وكأفراد وابتدأت مرحلة خطيرة يقودها التياران القومي والديني بخلق الإنسان الفلسطيني المنفصم الشخصية أو ما يسمى بعلم النفس باضطراب الهوية الانشقاقي واذكر هنا بعض الأمثلة :
"نحن" لا نعترف بإسرائيل ولكننا نحمل الجواز الإسرائيلي ونطلب أن نعامل كإسرائيليين بخارج البلاد أو لا نشارك بالانتخابات ولا نعترف بالبرلمان الصهيوني بينما كل حياتنا تسير بحسب القوانين التي يسنها هذا البرلمان. إن هذا التناقض غير الطبيعي يخلق إنسانا منفصم الهوية وهنا تكمن خطورة تشدّد ومغالاة الاحزاب القومية والدينية وهنا تكمن عظمة الفكر الشيوعي وقيادته الحكيمة بحل هذا التناقض والتعايش معه بطريقة جدلية ادت الى الحفاظ على هذا الشعب، وثباته وصموده وبقائنا وتحولنا الى شوكة بحلق الصهاينة بعد ان كنا ريشة في مهب الريح وهذا هو اعظم انجاز للشعب الفلسطيني منذ عام النكبة.
للتفصيل اكثر كان لا بد من التعامل بجدية مع المركب المدني-الاسرائيلي في هويتنا مثل السكن والعمل والعيش بكرامة والتصرف كمواطنين فاعلين كالمشاركة بالحياة السياسية والتفاعل مع المواطنين العرب واليهود على حد سواء والتعامل بجدية ايضا مع الجانب الفلسطيني للهوية وهو التماثل والتماهي مع مطالب شعبنا بكنس الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وللمثال على هذه الجدلية الخلاقة هو الموقف من الاحتلال الاسرائيلي فنحن نعارض الاحتلال ليس فقط لأننا فلسطينيون بل ولاننا مواطني اسرائيل فالاحتلال يضر بالمواطن الإسرائيلي وذلك بتحويل الغالبية العظمى من الميزانية التي يجب أن تصرف لأولادنا (من اليهود والعرب) للمستوطنين والاحتلال.
ختاما، ان وضوح الرؤيا بما يخص الهوية لدى الاقلية الفلسطينية في اسرائيل يساهم مساهمة فعالة ونشطة في بناء مجتمع متكاتف ويساهم مساهمة كبيرة في تحصيل الحقوق القومية واليومية ويخلق انسانا صادقا وغير منفصم الهوية (الشخصية).

 

(كفر كنا)

الأربعاء 11/9/2013
 

 

 
 
807
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

تصنيف: 
جاري التحميل