مشاركة فيديوهات ومقالات بالعربية

جدلية الثورة والاشتراكية والديمقراطية

2.67 - (3 تقييمات)
نشرت
1199
مشاهدات
2
تعليق

ابلاغ Report

جدلية الثورة والاشتراكية والديمقراطية

بمناسبة 100 سنة على ثورة اكتوبر

( دراسة تحليلية )

جدلية الثورة والديمقراطية والاشتراكية

 

******* يجب أن نسقط من مخيلتنا احلام اليقظة  بأن الثورة القادمة ستكون تكرارا لاقتحام قصر الشتاء بطلقات من سفينة الافرورا , لان ما جرى هو تزامن مجموعة  ظروف واسباب زمكانية قد لا تتكرر ابدا  ..

****** الديمقراطية التي تحقق الحرية والمساواة للفرد والاقليات ، وتضمن تكافؤ الفرص وحرية الصحافة  التي تعبِّر عن مصالح الشعب وتدافع عنها، هي ديمقراطية لكل الشعب..

****** لا يمكن حماية أية تحولات باتجاه العدالة الاجتماعية بدون ديمقراطية ، وحرية التنظيم السياسي والتعبير عن الرأي..

***** الديمقراطية الاشتراكية داخل الاتحاد السوفييتي لم تفشل بمعناها النظري، بل فشلت بسبب الأخطاء التي ارتكبت في عملية التطبيق " الغير ديمقراطية"

**** سحق الديمقراطية في البداية ادى الى نجاح واستمرار الثورة والوصول لأكبر الانجازات الجماعية وبالمقابل سحق الديمقراطية ادى الى انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط الاشتراكية

**  لينين : "ان الشرط الاساسي لتحقيق الثورة الاشتراكية هو تحقيق  الثورة الديمقراطية

يحتفل العالم هذه السنة بمرور ١٠٠ عام على ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى والتي أدت إلى بناء الاتحاد السوفياتي واعتماد الاشتراكية منهجا  وأسلوب حياة  , الذي أعلن تفككه في ٢٥/١٢/١٩٩١ معلنا بذلك انهيار الاشتراكية والمنظومة الاشتراكية  في تلك المنطقة.

لقد كانت هذه الثورة تجربة تاريخية فريدة ومفصلية  فقد  لعبت دورا مهما سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا واسعا لا يمكن تجاهله منذ اندلاعها حتى فشلها وانهيارها في اواخر القرن العشرين. لهذا السبب اجد ان من المفيد بل من الضروري الكتابة عنها واحياء ذكراها سلبا او ايجابا , لسببين الاول فكري وايديولوجي  والثاني شخصي وانساني  فقد عشت هناك  اجمل سنين عمري من عام 1983 حتى عام 1989 أي الاعوام الاخيرة قبل الانهيار النهائي , وكنت اقطن بالقرب من سفينة الافرورا التي انطلقت منها الشرارة الاولى للثورة باتجاه القصر الشتوي (الارميتاج) حيت تواجدت الحكومة المؤقتة معلنة بداية الثورة , كنت هناك طالبا دارسا للعلم برفقة الالاف من الطلاب الاجانب على نفقة  الاتحاد السوفياتي وكانت لدي الفرصة يوميا بحكم تواجدي هناك لملاحظة التفاصيل الدقيقة في حياة الناس الذين احبهم واحترمهم  واسمع حكايات كبار السن , ومقارنة النمط الاشتراكي بالنمط الرأسمالي لأنني  جئت لهناك من دولة رأسمالية , الامر الذي لم يكن متاحا لزملائي واصدقائي من الاتحاد السوفياتي .

ويسأل السؤال هنا هل سبب الانهيار يكمن في النظرية الماركسية أم اللينينية  أم في التطبيق أم فيهم جميعاً؟  لقد حققت ثورة أكتوبر السلطة السياسية للعمال والشيوعيين في روسيا , لكنها لم تتمكن من أنجاز التغيير الاشتراكي المطلوب في المجال الاقتصادي والاجتماعي ...لذلك نتساءل  أين يكمن خلل الثورة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ؟

للإجابة على هذا السؤال يجب التأكيد على بعض الحقائق :

اولا - لا توجد ثورات فاشلة بل توجد ثورات لا تحقق كل أهدافها لان الثورة خاصة الثورة الاقتصادية  هي رد فعل على ظلم بتوجيه سياسي منظم فالناس لا تخرج للشوارع فقط لان الأحزاب توجهها بل لان هناك ظلم واقع عليها والأحزاب والأطر السياسية الفاعلة استطاعت أن تزرع الامل بمستقبل أفضل , وأن "فشلت الثورة " لا يعني أن افكارها ذهبت سدى بل سيتم اعتماد ما أنجزته في ثورات قادمة أو سيتم الأخذ بعين الاعتبار بمطالب الجماهير في اي إصلاحات سلطوية قادمة , ، ذلك أن الثورات الفاشلة تستمر في تأثيرها بشكل ما، وعلينا أن نبحث في هذا التأثير انطلاقاً من مبدأ ألا شيء يموت، وأن التاريخ سلسلة من الأحداث المتتالية المتصلة.

 والمعنى الحقيقي لهذه الثورات انها تنجح حتى بعد فشلها وتحقق انجازات لا يستهان بها في مسيرة التطور الانساني. وهذه الانجازات قد لا تتحقق خلال الفترة الزمنية المحدودة اثناء الثورة بل تمتد الى بعد فشلها وفي اغلب الاحيان تفرض على اعدائها عدم العودة الى ما كان سابقا  والسير قدما حتى انفجار الثورة القادمة .

ثانيا - عند الحديث عن اي حدث يجب الأخذ بعين الاعتبار الزمان والمكان ولا يمكن إحلال نفس النمط في زمان ومكان آخر وعليه  لا يوجد قرار سياسي صحيح بالمطلق بل يوجد قرار صحيح نسبة  للظروف السياسية التي تم اتخاذه بها .

ثالثا - كل النظريات تواجه مصاعب في التطبيق وأحيانا هناك حاجة لتعديل النظرية أو إعادة التطبيق من جديد وهذا الأمر ينطبق على كل النظريات فكم بالحري النظرية الاشتراكية الشاملة لكل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , وكم بالحري اذا كانت التجربة الاولى الجدية لبناء الاشتراكية.

شرعية الثورات والثورة البلشفية تحديدا

 

أن الثورات تكون دائماً وأبداً "غير دستورية" ومخالفة للقانون. ولذلك فهي لا تكتسب شرعيتها من الدستور أو من القانون المعتمد ، وإنما من ثوريتها، حتى ان مصطلح الشرعية الثورية دخل قاموس السياسة الدولية؛ ذلك أن الثورة ، إذا انتصرت تغير الدستور والقوانين حتى بدون الرجوع إلى الشعب غالباً، ويستلم قادتها السلطة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما حدث فعلا عام 1917 عندما استطاعت الثورة في شباط الاطاحة بالقيصر وبعد ثمانية اشهر في 25 من تشرين الاول استطاع الحزب الشيوعي السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد , وفي مراجعة تاريخية لكل الثورات فانه تمر فترة طويلة بعد انتصار الثورة حتى يستقر نظام الحكم وعادة ما تفشل تلك الثورات على منصة الفوضى التي تحدث بعد نجاح الثورة كما نرى الان فيما يسمى ب"الربيع العربي"  في اليمن وليبيا  وحتى في بعض الاحيان الى عودة النظام القديم وبقوة كما نرى في مصر ولكن "السهولة النسبية" التي انتصرت بها الثورة البلشفية بروسيا وسرعة فرض السيطرة على مفاصل الحكم والشعب , امر يستحق التقدير من جهة والتحليل وهل رافق هذه السيطرة كبت للحريات بحجة الاشتراكية ؟

كتب لينين في مرض الطفولة- المجلد 25 ص 205 الطبعة الروسية :

" لقد كان سهلا على روسيا، نظرا للوضع الفريد من نوعه إلى ابعد الحدود في عام1917، أن تبدأ الثورة الاشتراكية، في حين أن الاستمرار بها وقيادتها إلى خاتمة مطافها سيكون أصعب عليها مما على الأقطار الأوروبية. وقد سبق أن أتيحت لي الفرصة، في مستهل 1918، للتنويه بهذه الواقعة، ولقد أكدت تجربة عامين من الزمن طريقتي في تصور الأشياء أن شروطا نوعية مثل :

1- إمكانية ربط الثورة السوفياتية بوقف الحرب الامبريالية- بفضل هذه الثورة- تلك الحرب التي كانت تعرض العمال والفلاحين إلى عذابات لا تصدق..

2- إمكانية استغلال الصراع المستميث بين أقوى كتلتين في العالم من الكواسر الامبرياليين لحين من الزمن بعد عجزهما عن الاتحاد ضد العدو السوفياتي.

3- إمكانية الصمود في حرب أهلية طويلة المد نسبياَ بفضل ترامي أطراف البلاد وسوء وسائل مواصلاتها جزئيا  .

4- وجود حركة ثورية ديمقراطية برجوازية بالغة العمق في صفوف الطبقة الفلاحية إلى درجة أمكن معها لحزب البروليتاريا على السلطة السياسية- أن شروطا نوعية كهذه لا وجود لها في أوروبا الغربية في الوقت الراهن، وتجدد شروط مماثلة أو مشابهة ليس سهلا البتة. ولهذه الأسباب مجتمعة، بالإضافة إلى مجموعة من السباب الأخرى، فإن البدء بالثورة الاشتراكية سيكون أصعب على أوروبا الغربية مما علينا .

من نافل القول ان ثورة اكتوبر  تعتبر اهم حدث في القرن العشرين ويمكن اعتبارها اهم حدث في التاريخ الحديث فهي اول محاولة جادة وفعلية - بناءً على أسس علمية - لتغيير مسار العلاقات بين الطبقات وفرض عدالة اجتماعية واقتصادية بين البشر الامر الذي استلزم تغيير أنماط التفكير لاستمرار نجاح المهمة وتذويتها في النفس البشرية في فترة زمنية قصيرة. لقد كانت ثورة أكتوبر أهم تغيير في تاريخ النظام الرأسمالي العالمي حتى حينه، حيث قدمت أول استراتيجية  تنموية بديلة في التاريخ الحديث .

 

** مراحل تطور الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي ومؤشرات الانهيار**

كانت الفكرة الرئيسية للينين أن الثورة ممكن أن تنجح بأضعف الدول الرأسمالية وليس اكثرها تطورا وقد فجر لينين الثورة في روسيا الامبراطورية الآخذة في الانهيار والتي كانت اضعف حلقة رأسمالية في اوروبا اعتمادا على تطويره للماركسية التي صارت تسمى الماركسية اللينينية حيث اوجد لينين تحليلا جديدا يختلف عن تحليل ماركس لسقوط البرجوازية، فقد ذكر ماركس بأن البرجوازية ستسقط من أقوى حلقاتها في الدول الرأسمالية الكبرى بسبب تكدس البضائع وهذا سيؤدي إلى اغلاق المصانع وتسريح العمال ولن يجد العمال أمامهم سوى الثورة وقيام الاشتراكية، ومن هنا اكتشف لينين بأن الرأسمالية تطورت وأصبحت تصدر منتجاتها وسلعها الفائضة إلى دول أخرى لحل أزماتها في تكدس البضائع ، وقد أصبحت الرأسمالية  لا تصدر البضائع فقط انما تصدر أيضاً أزماتها، ومن هنا جاء تحليل لينين هو أن الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، وبأن الرأسمالية لن تسقط من أقوى الحلقات حسب ماركس ولكنها ستسقط من أضعف حلقاتها، والتي تصدر إليها أزماتها.

الامر الجديد الثاني الأهم حول كيفية تحويل بلد اقطاعي زراعي متخلف الى بلد اشتراكي صناعي متطور عصري. لذلك أطلق لينين سياسته الاقتصادية الجديدة التي عرفت بـ" النيب " والتي سمحت ببقاء الملكية الخاصة الصغيرة ولو لحين حتى لا تتوقف عملية الإنتاج كلية ومعها تتوقف عجلة الثورة عن الدوران وحتى لا يدخل الاتحاد السوفييتي الجديد متاهة الفقر وعدم الاستقرار الاقتصادي اثر عدم الاستقرار السياسي والامني التي واجهته هذه الثورة العظيمة في سنواتها الاولى (خاصة بعد ان شن الحلفاء الحرب على الاتحاد السوفياتي لإجهاض الثورة).

للأسف لينين لم يتح له الاستمرار في قيادة الثورة وبناء الاشتراكية التي كان يريد تحقيقها لأنه توفي بعد فترة قصيرة من الثورة واصبح رئيسها بعده ستالين الذي ادعى انه واصل سياسة لينين في تحقيق اهداف الثورة وبناء المجتمع الاشتراكي.

يطرح السؤال هنا :

هل كان هذا خطأ تاريخيا  في تطبيق الاشتراكية في غير أوانها وزمكانها ؟

هل كان هذا احد الأسباب التي تراكمت عليها مشاكل كثيرة والتي ساهمت فكريا وعمليا في انهيار وسقوط التجربة الاشتراكية الأولى بالتاريخ ؟

في عام ١٩٢٨ تم إلغاء الخطة الاقتصادية الجديدة(النيب) عن طريق ستالين والتي سمحت ببعض الملكية الخاصة لتحريك عجلة الاقتصاد حيث فسر ستالين راي لينين في النيب انها سياسة لمرحلة طويلة ولكن ليست سياسة ابدية , الامر الذي زاد في سوء وضع الفلاحين بدل تحسنه في المرحلة الاشتراكية ,وذلك بعد الانتقال من الاستثمار الفردي الى الاستثمار الجماعي في الزراعة .

أن نظام ستالين كان نظامًا فرديًّا وادى الى الحد من الحريات  مما ادى  إلى البيروقراطية والدكتاتورية , وبالرغم من الانجازات التي كانت في زمن ستالين الا انه لا يمكن انكار انه حدثت تجاوزات كبيرة بمجال حقوق الانسان وصلت الى حد القمع وكبت الحريات الامر الذي يتنافى ومفهوم الماركسية , ناهيك عن زيادة البيروقراطية التي بدأت تأخذ شكل جهاز كامل فمع اندثار السوفييتات العمالية الديموقراطية بعد تدمير الطبقة العاملة خلال الحرب الأهلية أصبح الحزب تحت السيطرة الكاملة لهيكل بيروقراطي من المسؤولين المتفرغين. وكان على رأس هذه البيروقراطية جوزيف ستالين، سكرتير عام الحزب. كانت أهمية ستالين تنبع من أنه كان ممثلا لبيروقراطية الدولة/الحزب الجديدة والتي أصبحت في الحكم، وهذه البيروقراطية لم يعد يهمها الثورة العالمية  وكان همها الأساسي هو مصالح الدولة الروسية ومصالحهم هم كحكام لتلك الدولة. ووفقا لهذه المصالح طور ستالين ومساعديه نظرية “الاشتراكية في بلد واحد” زاعمين أنه من الممكن بناء مجتمع اشتراكي داخل حدود الاتحاد السوفييتي فقط.

هنا يطرح السؤال هل كبت الحريات الانسانية مرحلة ضرورية في بناء الاشتراكية ؟ هل تحقيق الاشتراكية يشرعن المس بالحقوق الانسانية والشخصية ؟ هل كانت حقبة ستالين بالرغم من انجازاتها مرحلة سوداء في تاريخ الاتحاد السوفياتي من ناحية حقوق الانسان ؟ الا يناقض هذا ما قاله ماركس واكده لينين ان الشرط الاساسي لتحقيق الثورة الاشتراكية هو تحقيق  الثورة الديمقراطية ؟

عندما تسلم خورتشوف لسلطة عام 1953-1971  ادان بشدة ووضوح سياسة ستالين القمعية  وتذكرني هنا القصة التالية  التي حدثت بالمؤتمر العشرين , فعلى إثر انتقادات خورتشوف العنيفة لانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم البشعة في عهد ستالين، أرسل إليه أحد المندوبين في المؤتمر ورقة يسأله عن سكوته عن كل ذلك أيام ستالين؟ فقرأ خروتشوف السؤال علنا على القاعة، وطلب من صاحب السؤال أن يكشف عن شخصيته.. وطبعا لم يجرؤ الرجل على ذلك، فعلق الأمين العام قائلا:" ونحن كنا كذلك نخاف أن نعلن عن مواقفنا أيام ستالين"!!!!!! وقد اتخذ خورتشوف سياسة التعايش السلمي والانفراج الدولي مع الرأسمالية مجاريا باعتقاده التغيرات العالمية . ومن اهم ما جرى في تلك الفترة في المؤتمر ال 22  هو إلغاء دكتاتورية البروليتاريا وقد فسر البعض انه الغاء للاشتراكية (سناتي على ذلك لاحقا ) وتم إعلان دولة الشعب كله ( أيّ العدالة الاجتماعية ) و ليس هناك أدنى شك أن الدولة التي توفر العدالة الاجتماعية ليست هي  الجسر الذي يصل إلى الشيوعية. فالعدالة الاجتماعية مفهوم برجوازي صغير , لا دخل له بالاشتراكية و لا بالتطبيق الاشتراكي . فالعدالة الاجتماعية تعني توافق الطبقات و ليس إلغاءها كم ورد في المفاهيم الاشتراكية ,( ولكن العدالة الاجتماعية هي ارقى المفاهيم الانسانية في العالم الرأسمالي والنضال لأجلها اليوم ضروري لكل الاحزاب الشيوعية طالما لا يدور الحديث عن اشتراكية .)  

و هنا يقع السؤال: هل هناك شكل للاشتراكية غير التي وضعها ماركس ؟ فإعلان " دولة الشعب كله " و حزب " الشعب كله " بكل المعايير ألغى الاشتراكية بالمفهوم الماركسي في الاتحاد السوفييتي. 

بعد حقبة خورتشوف تولى السلطة بريجينيف واندروبوف وتشرنينكو ومن ثم خاتمها غورباتشوف ولما كنت اعيش في الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة ورأيت المتغيرات بحسب تغير الرئيس اؤكد ان فترة بريجنيف كانت الحل الوسط بين قيادة الحزب فقد حاول استرضاء جميع الاطراف مما زاد البيروقراطية وهبوط معدلات الانتاج ولهذا حاول اندروبوف مباشرة بعد توليه السلطة وضع خطة للإصلاح الاقتصادي، لكنه لم يعمر طويلا في السلطة إذ توفي في فبراير/شباط 1984، وحل محله قسطنطين تشيرنينكو لكنه أيضا توفي سريعا في مارس/آذار   1985

ان سرعة التغيير الملحوظ بتغير الامين العام للحزب الشيوعي الذي هو رئيس الاتحاد السوفياتي يثير العديد من التساؤلات حول الصلاحيات المفرطة التي كان يتمتع بها وهل هذا يتناسب مع المركزية الديمقراطية لبناء الحزب ؟ والسؤال الاهم هل كان الجهاز البيروقراطي اقوى من القرارات بحيث لم تجدي نفعا كل الخطط لانعاش الاقتصاد وتسريع عجلة الانتاج ؟

بعد ان تولى غورباتشوف السلطة اعلن  انتهاجه سياسة "الغلاسنوست" أي العلانية والشفافية في إدارة البلاد، بعد انتخابه عام 1987 وقدم خطة لإصلاح الأوضاع سماها "البريسترويكا" (إعادة البناء)، وتتضمن خطوطُها العريضة الاهتمامَ بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والتحول إلى اقتصاد السوق، وإلغاء احتكار الحزب الشيوعي للسلطة وحظر التعددية الحزبية، وزيادة استقلالية المؤسسات المحلية، وإبعاد العلاقات الدولية عن العسكرة ولكن خطته باءت بالفشل وادت الى تسارع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 وانهاء تجربة الدولة الاشتراكية وانهيار ثورة اكتوبر.

        اليوم اصبحت ثورة اكتوبر ووليدها الاتحاد السوفييتي تاريخا والتاريخ لا يسجل الا  ما جرى وتحقق فعلا سلبا وايجابا. فالاتحاد السوفييتي كان تجربة تاريخية لها نجاحاتها وفشلها واثبت التاريخ زوالها وانهيارها , وحتى في موعد فشل وانهيار الاتحاد السوفييتي الاشتراكي الحقيقي يختلف المعلقون. فثمة من يعتبر الفشل والانهيار حدث في البداية وثمة من يعتبره في احد النقاط المفصلية التي ذكرت اعلاه  وثمة من يعتبر الفشل والانهيار حدث في ١٩٩١.

**الديمقراطية والاشتراكية **

هل ممكن التوافق بين الاشتراكية والديمقراطية فلسفيا وعمليا ؟ اليس كلاهما يتناقض مع الآخر ؟ خاصة وان الحديث يدور عن اشتراكية قسرية وليس طواعية , الامر الذي يمس اساس الديمقراطية وهي حرية الفكر والعمل . والسؤال الاهم هل من الممكن حل هذا التناقض  في الدولة الاشتراكية او على الاصح هل تم حل هذا التناقض في الاتحاد السوفياتي ؟

يخطئ المحللون وخاصة الماركسيون منهم عندما يتعاملوا مع الماركسية كعقيدة وانها تملك الحلول السحرية الجاهزة وان لكل سؤال جواب معروف مسبقا وباعتقادي هذا مس بالماركسية واضعاف لقوتها وعلينا اعتبار ان المعطيات التي قدمها ماركس ليست نهائية ومؤبدة  ويمكن لها ان تتعمق وتتسع كما يمكن لبعضها ان ينسخ ويخّطأ ويلغى بحسب  تطور العلوم والمعارف ومعطيات الممارسة او التجربة ، الامر الذي لم يكن ماركس او انجلس يريان فيه من بأس . بل كانا يعدانه من طبيعة المعرفة العلمية ، ولطالما اكد ماركس بانه ليس" ماركسيا" بمعنى انه كان يخشى من ان تتحول المعرفة التي انتجها الى "دين" او عقيدة.  بل اكد  في كل مناسبة على جدلية الوعي والواقع ، الذات والموضوع ، النظرية والممارسة. و على هذا الأساس فان الحفاظ على الماركسية و متابعة رسالتها الإنسانية لا يكمن في الدفاع اللاهوتي أو العقائدي عن تعاليمها، وإنما بالنقد الدائم لأفكارها وتجديدها ارتباطا بمعطيات الممارسة الاجتماعية، فهذه الممارسة هي المنطلق و المعيار لصحة الأفكار، إذ أن الماركسية ومنظومة المعارف التي طرحتها لا تشكل هدفا بحد ذاتها، و إنما هي الأداة والوسيلة العملية لقراءة الواقع و تغييره، وهذا الموضوع يمثل، من وجهة نظر ماركس نفسه، المنطلق الأول والأخير في صياغة الأفكار التقدمية.

 

ان الديمقراطية ماركسيا في ظل ثورة اشتراكية تمر بمراحل عدة في تطورها ابتداء من ديكتاتورية البروليتاريا عند الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية ثم الانتقال من ديكتاتورية البروليتاريا إلى دكتاتورية المجتمع. أي من ديموقراطية الطبقة الكادحة إلى ديموقراطية المجتمع كله وذلك في ظل خلق مجتمع اشتراكي، وهذا التطور للديموقراطية الاشتراكية يتم فقط بقيادة الحزب البروليتاري "الشيوعي" وإنها سوف تضمحل كظاهرة سياسية باضمحلال الدولة وتحل محلها ديموقراطية غير سياسية كشكل من أشكال تنظيم الإدارة الذاتية للمجتمع وتعبيرا عن ذلك يكتب لينين: "إن جمهورية السوفييت للعمال والفلاحين والجنود ليست فقط أرقى نموذج من المؤسسات الديموقراطية، بل القادرة وحدها على التحول غير المؤلم إلى الاشتراكية...."

بالعودة لجدلية الاشتراكية والديمقراطية وكيف ممكن توافقهما ماركسيا خاصة بعد التأكيد على دكتاتورية البروليتاريا كضرورة حتمية  لبناء الاشتراكية , يقول ماركس ان  "الخطوة الأولى من ثورة الطبقة العاملة هي رفع البروليتاريا إلى الطبقة الحاكمة والظفر بالديمقراطية.. ولا يمكن تحقيق ذلك في البداية إلا بواسطة عمل استبدادي ضد حقوق الملكية......أي أنها تسيطر على السلطة السياسية وتحول ملكية وسائل الإنتاج من ملكية هذه السلطة " الرأسمالية" إلى ملكية المجتمع... من هنا يبدأ تحول المجتمع من مجتمع رأسمالي إلى مجتمع اشتراكي.. وبذلك فإن ديكتاتورية البروليتاريا ستزول تلقائياً عندما تسود الاشتراكية بزوال الطبقات والحاجة للدولة. وفي الحالة السوفياتية فقد تم طمس الحقوق الفردية لصالح الحقوق الجماعية واستعمال وسائل الاستبداد والقتل للتخلص من كل "اعداء الثورة " او المعارضين للتغييرات في زمن ستالين حتى من قيادة الثورة البلشفية وبالرغم من كل الانجازات الجماعية على مستوى الاتحاد السوفياتي في مجال التصنيع خاصة الصناعة الكبرى والعسكرية والتي جاءت على حساب الصناعة الصغرى والزراعة الامر الذي ادى الى اهمال حاجات الفرد ورغباته الفردية في القضايا الثانوية والرفاهية , وتعميق البيروقراطية التي وصلت الى درجة شبيهة بنظام الطبقات فمجموعة الحزبيين المتنفذين واصحاب المناصب الحزبية والتي كانت تنعم بامتيازات لم ينعم بها كافة الشعب ادت الى وجود حالة من الاحباط والخوف لدى المواطن وتعميق التناقض بين اهداف الفرد واهداف الدولة التي اصبحت في فترة من الفترات الرأسمالي الاكبر ولكن ادخال الاتحاد السوفياتي الحرب العالمية الثانية والتي سميت الحرب الوطنية العظمى وتقديم الملايين من الضحايا دفاعا عن الوطن اعاد الى النفوس وحدة المصير ووحدة الهدف والمساواة في التضحية والعطاء لأجل الوطن ساهمت مساهمة ايجابية في اطالة عمر الاشتراكية وتأجيل ظهور تفاقم ازمة تقاطع  الديمقراطية والاشتراكية ولهذا عندما حاول خورتشوف الغاء ديكتاتورية البروليتاريا بادعاء الوصول الى الاشتراكية لاقى معارضة بالأساس من الحزب الشيوعي السوفياتي وكانه تراجع عن الماركسية والصحيح ان هذه المرحلة ضرورية وماركسية لتعميق الديمقراطية بين الناس .

 

خلاصة الامر ان الديمقراطية التي عمل على ترسيخها "لينين" داخل الحزب وخارجه منذ قيام الثورة في 1917م وحتى وفاته 1924م، لم تستمر على المنهاج نفسه الذي بناه لها إلا لفترة بسيطة لا تتعدى الثلاث سنوات تقريباً. فبعد أن استلم "ستالين" الأمانة العامة للحزب الشيوعي السوفييتي 1924م  ولعدم مقدرته على إدارة الصراع الفكري والإقناع داخل الحزب كما كان يفعل لينين, استعمل اساليب غير ديمقراطية وتعسفية , لذلك فالديمقراطية الاشتراكية داخل الاتحاد السوفييتي لم تفشل بمعناها النظري، بل فشلت بسبب الأخطاء التي ارتكبت في عملية التطبيق "الغير ديمقراطية" في فترة ستالين.

ولقد حذر منظرو الفكر الماركسي من الجمود ومن المس بالديمقراطية (مثل الحزب الشيوعي الفرنسي والإيطالي)، وطوروا الفكر الماركسي استناداً لقول إنجلز المنظـِّم الأول للماركسية بعد ماركس حيث قال  : "يمكن للطبقة العاملة أن تصل إلى السلطة عن طريق البرلماني في بعض البلدان" ولكن للأسف هوجموا مهاجمة شرسة من قسم من الاحزاب الشيوعية الاخرى حتى نعتهم البعض  بالانتهازية .

وقول لينين: "الديموقراطية ظاهرة تاريخية تتغير مع المجتمع"، وهذا ما أقرّ به غورباتشوف 1989في كتابه "البريسترويكا"
 

ان الأحزاب الشيوعية في البلدان الأوروبية ومعظم الأحزاب الشيوعية في العالم رفضت نماذج التطبيق الاشتراكي السابقة ((الستاليني)) وحاولت  ان تقدم برنامجاً اشتراكياً جديدا ذو وجه ديموقراطي وإنساني في إطار التعددية الحزبية والتخلي عن ديكتاتورية البروليتاريا ,فالديمقراطية  التي تحقق الحرية والمساواة للفرد والاقليات ، وتضمن تكافؤ الفرص وحرية الصحافة  التي تعبِّر عن مصالح الشعب وتدافع عنها، هي ديمقراطية لكل الشعب.

 

وباعتقادي ان الديموقراطية الاشتراكية الصحيحة والتي لم تعتمد في الاتحاد السوفياتي  لا تمنح حقوق واسعة لكل المواطنين فحسب بل تفرض عليهم أيضاً واجبات، فهي لا تسمح بانتهاك القانون والنظام أو أي عدوان على حق المواطنالديمقراطية الاشتراكية يجب ان تكون  أرقى أشكال الديمقراطية، فهي تتقبل تطور العناصر والمؤسسات التقدمية التي تعتبر نتيجة الإبداع السياسي والاجتماعي للطبقات الكادحة في ظل النظام الرأسمالي والتي توطدت في المجتمع.

اسباب الانهيار

 

في احد الايام من سنة 1987 وفي جلسة عفوية مع زملاء الدراسة استعرضنا حال الاشتراكية القائمة في الاتحاد السوفياتي وحاولنا مقارنتها بالاشتراكية العلمية التي درسناها وسمعناها من رفاقنا القدامى وبأسلوب الكوميديا السوداء حددنا تناقضات الاشتراكية حسب مفهومنا بتلك الفترة وحسب مراقبتنا للأحداث وكانت خمس وهي :

في الاشتراكية لا توجد بطالة ولكن لا يعمل احد......(تناقض )

لا يعمل احد ولكن الخطة الخماسية تنفذ بالكامل.....(تناقض)

الخطط الخماسية تنجز ولكن لا شيئ بالحوانيت......(تناقض)

لا شيئ بالحوانيت ولكن البيوت مليئة بكل شيئ .....(تناقض)

البيوت مليئة والكل يتذمر.....(تناقض)

الكل يتذمر ولكن الجميع يصوت  مع !!!!!!!!!

اعتقد ان كل من درس بالاتحاد السوفياتي لاحظ ذلك .

تلخيصا لما ذكر اعلاه وللسرد التاريخي والايديولوجي يمكن تلخيص اسباب الانهيار بما يلي :

 

 

اسباب نظرية حول امكانية نجاح الاشتراكية في اضعف حلقات الرأسمالية وامكانية نجاحها في بلد واحد فقط ولكن حسب رايي ممكن اعتبار هذا سببا ثانويا فقط نجحت الثورة وخطت خطواتها الاولى وتعدت مرحلة الفشل في الفترة الاولى وانطلقت نحو بناء الاشتراكية وتجاوب العمال والفلاحون مع اهدافها .

اسباب متعلقة في التطبيق ......الأصل في الاشتراكية هو المساواة. أو بكلام أدق وابسط  مبدأ "من كلٍّ حسب طاقته ولكلٍّ حسب عمله". كيف طبق ذلك؟ في الصناعة حسب ساعات العمل، وكذلك في الزراعة من حيث المبدأ. لكن العمال، لاسيما في الزراعة، ذوو إنتاجية متفاوتة ولكن الجميع تلقى نفس المرتب فلماذا اذا الاجتهاد ؟؟؟؟؟ .. وكانت تجربة الكولخوزات محاولة لمنح إدارة الجمعيات التعاونية الزراعية سلطات أكبر في توزيع المحصول. هنا طبعا تدخل عامل "الأخلاق". لقد كان ماركس ولينين، وخاصة لينين، يتحدثان عن "أخلاق شيوعية"، تجعل الإنسان محبًا لعمله، راضيًا عنه، ومقدمًا كل إمكاناته فيه. لكن هذه الأخلاق لا تتكون في سنوات ولا حتى في عقود، بل لا بد من أجيال (عدد الاجيال طبعا لم يتم تحديده )  لتكوينها , ولهذا السبب كان لينين ضد فرض الاشتراكية بالقوة على الفلاحين. ومن باب الأخلاق أيضًا مسائل "المحسوبية" و"الوساطات " و"الاقرب من الصحن" والعلاقة مع السلطات وما شابه. ولذلك لم يكن تقدير حصة الفلاح من المحصول متعلقًا فقط بعمله، بل أيضًا بعلاقته بالحزب وبالمتنفذين... وشمل هذا معظم نواحي الإنتاج.

ومع تطور البلاد، وتقدم الصناعة، وزيادة الإنتاج، والتشدد في مركزية الاقتصاد... تعاظمت البيروقراطية (وبالتالي المحسوبية وما شابه) وصار التفاوت في الدخل يتزايد. وقد جرت محاولات عديدة لإعطاء المؤسسات دورًا أكبر في تحديد سياساتها، مثل سياسة "النيب" اللينينية، وسياسات خروتشوف الإصلاحية، وأخيرًا بيريستر ويكا غورباتشوف. لكن البيروقراطية (وفيما بعد الفساد) صارت تستشري أكثر، مما أفقد الاقتصاد حيويته وانتاجيته  وحد كثيرًا من روح المنافسة، والاهم لم تعد السلطة تسمع صوت الشعب المطالب برفع مستوى حياته المعيشية لتقترب من مستوى حياة الشعوب الاخرى -كما كان الاعلام الغربي يسوق ذلك ؟-   أو غيرهم من الدول الصناعية المتقدمة ألم يصبح الاتحاد السوفيتي دولة عظمى فلماذا لم يحصل المواطن على الجينز وغيره من البضائع التي ممكن انتاجها بأبسط الامكانيات  اليس غريبا ان العلكة كانت منتوجا مطلوبا  ونادرا , ناهيك عن الكثير من البضائع الحيوية التي كانت غير موجودة حتى ان مصطلح ديفيتسيت (نادر) اصبح كلمة متداولة ومفهومة للجميع ان البضائع غير متوفرة ، ولماذا ما تزال السيارات السوفيتية متخلفة كثيرًا عن اليابانية أو الألمانية , لماذا يجب الوقوف بالدور ساعتين وثلاثة لمنتوج مثل الموز في المدينة الثانية في الاتحاد السوفياتي لماذا كانت محارم التواليت منتج "ديفيتسيت " , ايعقل ان دولة تحارب العالم بإنجازاتها العلمية واختراق الفضاء ولا يمكن ان تنتج محارم تواليت او لا تستطيع ان تمنح مواطنيها فرصة شراء البندورة ستة اشهر ؟ . للأسف امر لا يمكن للعقل البشري ان يتخيله ولا يمكن لي شخصيا وقد عشت التجربة الا ان اكتب عن هذا ومشاعري ينتابها الالم والدموع لأني احب هذا البلد وشعوبه ومؤمن بالاشتراكية العلمية .

اسباب خارجية لقد كان السوفييت مقتنعين تمامًا بأنهم سيتمكنون من مواجهة الرأسمالية العالمية بثلاث طرق:

اولا: التسلح بما يجعل الاتحاد السوفييتي قادرًا على أية مواجهة عسكرية مع الغرب خاصة الولايات المتحدة. ومنذ بداية الحرب العالمية الثانية صارت ميزانية التسلح ضخمة جدًا بالمقارنة مع إمكانات الاقتصاد السوفييتي. وزادت الإنفاق العسكري بوتيرة متعاظمة مع السباق النووي، وغزو الفضاء وغيرها. بينما كانت أمريكا  تسيطر على كثير من ثروات العالم، وتنمي اقتصادها مع سباق التسلح، في الوقت الذي كانت الدولة السوفيتية فيه تقتطع من دخلها المحدود من أجل ذلك السباق. وهذا أثر كثيرًا في تدني مستوى معيشة شعبها - مع الأخذ بالاعتبار أن الثروة هنا توزع بشكل أكثر عدالة- بما لا يقاس من الغرب,   والحديث طبعا  يدور عن متوسط دخل الفرد وليس عن فقراء البلدان الغربية

ثانيا : التحالف الوثيق مع الحركة العمالية والشيوعية في البلدان الرأسمالية. حيث كانت تقدم المساعدات الكثيرة لتلك الحركة، ولكن في الوقت نفسه كانت الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في البلدان الرأسمالية أكثر تحررًا وديمقراطية من الحزب الشيوعي السوفيتي (بحكم الديمقراطية الغربية وتقدم المجتمعات الغربية بوجه عام). ونظرًا للتواصل الدائم مع تلك الحركات والأحزاب، انتقل إلى شباب الحزب السوفيتي، وإلى المثقفين عمومًا، الوعي بأهمية الديمقراطية داخل الحزب والمجتمع، مما خلق تذمرًا من الطريقة التي كانت تدار بها الأمور، ونقمة على السلطة حتى داخل الحزب.

ثالثا: مساعدة حركات التحرر الوطني في العالم للخلاص من الاستعمار والهيمنة الإمبريالية. وتلك المساعدة كانت من الضخامة بحيث أرهقت الاقتصاد السوفيتي، دون أن تخلق حلفاء حقيقيين (مصر والسد العالي مثالا )  للمنظومة الاشتراكية كما كان السوفيت يأملون. حتى الصين دخلت في صراع مع السوفيت في وقت حرج جدًا.

الملخص النهائي كانت كل تلك العوامل مجتمعة تتفاعل في مجتمع تحكمه سلطة شمولية، بيروقراطية (ثم تبين أنها فاسدة أيضًا)، لكنه مجتمع متعلم، مثقف، رائع يتواصل مع العالم بشتى الوسائل . يرى ما حوله ويتساءل أين نحن من الأهداف التي وضعتها الثورة، ولماذا نحن متخلفون عن الآخرين؟ وفي الوقت ذاته كانت الدعاية الأمريكية والرأسمالية عمومًا تنفخ في هذه النار التي بدأت تشتعل. وتم استغلال كل الأخطاء التي وقعت فيها السلطات السوفيتية،

وعندما جاءت البيريسترويكا، رغم مبادئها الصحيحة، كانت متأخرة جدًا، وبداية للتحرك باتجاه السقوط. ثم جاء يلتسين ليكمل المسار إلى الهاوية, وربما يجدر هنا بعلماء الاجتماع والاقتصاد والشيوعيين  دراسة هذه التجربة وجدلية الديمقراطية والاشتراكية وكيف ان سحق الديمقراطية في البداية ادى الى نجاح واستمرار الثورة والوصول لأكبر الانجازات الجماعية وبالمقابل سحق الديمقراطية ادى الى انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط الاشتراكية .

لقد سقطت إحدى التجارب الاشتراكية، لكن الاشتراكية نفسها لم تسقط. والاستقطاب العالمي اليوم بين الفقر والغنى أوضح من أن يغطى بأية مقولات. العدالة الاجتماعية كانت وما زالت إحدى أهم القيم الإنسانية العليا. والعالم اليوم بحاجة لإعادة طرح الاشتراكية كأسلوب حياة  أكثر من أي وقت مضى، ولكن مع الأخذ بالاعتبار أهم درس قدمته التجربة الاشتراكية الأولى:

 لا يمكن حماية أية تحولات باتجاه العدالة الاجتماعية بدون ديمقراطية ، وحرية التنظيم السياسي والتعبير عن الرأي.

 

انا مؤمن  أنه ستكون هناك ثورات مناهضة للرأسمالية في القرن الحادي والعشرين وهذا ليس تنبؤا بل ايمانا بحتمية المادية التاريخية . ولكن يجب أن نسقط من مخيلتنا احلام اليقظة  بأن الثورة القادمة ستكون تكرارا لاقتحام قصر الشتاء بطلقات من سفينة الافرورا , لان ما جرى هو تزامن مجموعة  ظروف واسباب زمكانية قد لا تتكرر ابدا  ..

انا مؤمن ان الثورات المستقبلية لن تكون تقليدا للتجربة السوفياتية ، بل ستكون عملا خلاقا وبطوليا من صنع الشعب ولأجل الشعب  , تراعي المكان والزمان والتطورات العلمية والاهم اعتماد الديمقراطية هدفا ومبتغى.

سمير خطيب

كفركنا 2017/07

1199
مشاهدات
2
تعليق

ابلاغ Report

تصنيف: 
جاري التحميل