• نُشتم فنبارِك - بقلم : المحامي عصام نسيب عودة
نُشتم فنبارِك - بقلم : المحامي عصام نسيب عودة

~~نُشتم فنبارِك

نحن نعيش في عالم مليء بالخطية والشر، حيث رئيس سلطان الهواء يعمل في أبناء المعصية (أف 2 : 2)، ونعاصر زمانا فيه لا يحتملون التعليم الصحيح بل يجمعون معلمين ليستحكّوا مسامعهم (2 تي 4 : 3)، كما ونشهد أياما حيث الخطية محيطة بنا بسهولة كما صرخ آنذاك كاتب الرسالة ألى العبرانيين (عب 12 : 1)، فأذا كان الأمر كذلك قبل ألفي عام، كم وكم نشهد خطايا تتسارع من شر ألى شر في أيامنا.

أن الكتاب المقدس يعرّف هذا الوضع ب"الظلمة"، وبما أننا "أبناء نور" ولسنا من ظلمة فسنجد تصادما ورفضا من "أبناء الظلمة"، ولا نقول هذا للتعالي، لا سمح الرب، بل لتشخيص الأيام التي نعيشها لهدف مجيد نصبو أليه لأستنارة أبناء الظلمة بنور المسيح العجيب (أي 29 : 3، رؤ 21 : 24) ...

أن التحدي الذي يواجهنا ليس بسهل، فأن نحيا بالنور وسط عالم مظلم يعني أن نقف ضد تيارات الشر والخطية على أشكالها وتطوراتها، لا وبل وأصعب من ذلك أن نسير بالاتجاه العكسي لتلك التيارات القوية في طريق الحق من باب ضيّق وطريق كرب ولكنه يؤدي ألى الحياة، وللأسف، قليلون هم الذين يجدونه (مت 7 : 14)، ولا عجب، فقد سبق الرب وحذّرنا أن "في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو 16 : 33).

من المهم أن ندرك الفرق ما بين السير ضد تيار الخطية وما بين العيش مع أخينا الأنسان جنبا ألى جنب. بكلمات أخرى: رسالتنا في غربة هذي الحياة أن نعيش ضد الخطية بقوة الروح القدس الساكن فينا وليس ضد البشر، "فأن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع ... أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6 : 12)، والله أحب العالم أي البشر حتى بذل أبنه الوحيد كي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو 3 : 16)، كيف لا ونحن البشر خليقة الله وصنع يديه، لا بل على صورته ومثاله (تك 1 : 27). أن السير ضد البشر، مهما كانوا أشرارا، سيُفقد من رسالتنا ودعوتنا، وهذا بالطبع لا يعني أن نشترك في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري نوبخها (أف 5 : 11).

أن ثاني أعظم وصية للرب يسوع له المجد هي "تحب قريبك كنفسك" (مت 22 : 39، مر 12 : 31)، وقد عرّف الرب "القريب" بذاك الأنسان الذي أصنع أنا معه الرحمة (لو 10 : 37)، ف"القريب" غير منوط ولا يتعلق بتصرف أو علاقة هذا الأنسان معي بل بصنعي معه الرحمة حتى لو كان عدوّي كما فعل السامري بعدوّه اليهودي (قصة السامري الصالح وردت في أنجيل لوقا 10 : 25 – 37). من المحتّم أذا أن أعيش مع "قريبي" بسلام، كما أكّد على ذلك بولس الرسول بقوله بوحي الروح القدس: "أن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس" (رو 12 : 18). الجدير بالتنويه أن ليس المقصود مجاملة الناس على حساب المساومة على كلمة الله وتعدّي وصاياه، حاشا، بل السعي لجذب "قريبي" لحظيرة الخلاص للنجاة من الهلاك وانتشاله من فخ أبليس، "أذ قد اقتنصهم لأرادته" (2 تي 2 : 26).

أن هذا الكلام يزيد صعوبة وتأزما عندما يبغضني ذاك "القريب"، والذي قد يكون جاري أو زميلي في العمل أو حتّى من أهل بيتي، ولكن لا عجب، فأن كان العالم قد أبغض الرب فسوف يبغضنا أيضا (يو 15 : 18، 1 يو 3 : 13) وأعداء الأنسان أهل بيته (ميخا 7 : 6، مت 10 : 36)، نعم، لا عجب، فأن من يسير في الظلام لا يريد النور بل يرفضه لأنه يبدد الظلام ويكشف العيوب، كما تدين حياتنا المستقيمة أعوجاج الخطاة ومحبتنا بغضهم وسلامنا أضطرابهم وشجاعتنا خوفهم وسيرتنا الحسنة شرهم وقداستنا نجاستهم ... وكما عرّف رب المجد يسوع هذه الوضعية بقوله: "وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء ألى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو 3 : 19). أذن فرسالتنا في مجال العلاقة مع "القريب" هي ذات بعدين: البعد الأول أن أحب قريبي والبعد الثاني أن أصنع معه الخير، أي المحبة العاملة. بفعلنا هذا سوف نحيا بحسب قول الرب "أفعل هذا فتحيا" (لو 10 : 28).

عندما نطق بولس الرسول هذه العبارة: "نُشتم فنبارِك" (1 كو 4 : 12) كان يتحدث عن الاضطهاد الذي يواجهه شعب المسيح، فهو يكمل ويقول: "نُضطهد فنحتمل"، والإضراب الذي شهدته المدارس الأهلية المسيحية مؤخرا ما هو إلا نوع من أنواع الاضطهاد، والذي، برأيي، تعاملت معه المدارس، أهالي الطلاب وبالأخص القائمون عليها، بتروٍّ، بتؤدة، بحكمة، وبذات الوقت بحزم وعزم الإيمان برسالة الرب للمجتمع الذي تبعثه هذه المدارس، وفي كل ذلك باحتمال المشقة لأيام طويلة، واليوم، وبعد انتهاء "المعركة" لا بد من التركيز أكثر وأكثر على الرسالة المسيحية والمضي قدما بها لنشر إنجيل المسيح، ويحضرنا في هذا المقام قول بولس الرسول في 2 تي 1 : 12:

"لهذا السبب احتمل هذه الامور أيضا لكنني لست اخجل لأنني عالم بمن آمنت وموقن انه قادر أن يحفظ وديعتي الى ذلك اليوم".

أخي وأختي العزيزين، أن هذا الإنسان الذي أساء ألينا أو غدرنا أو شتمنا أو تكلم علينا شرا أو لطمنا أو بصق بوجهنا أو ابتزّنا أو استغلنا أو اضطهدنا بأي صورة هو هو ذاك "القريب" الذي خلقه الله على صورته ومثاله وأوصانا أن نعمل معه الرحمة بالضبط كما فعل السامري الصالح مع خصمه اليهودي، وبالتالي سوف نستطيع بنعمة المسيح أن نحب أعداءنا، نبارك لاعنينا وشاتمينا، نصلي للمسيئين إلينا، نحتمل مضطهدينا ونعظ لمن افترى علينا (مت 5 : 44، لو 6 : 28، 1 كو 4 : 12 – 13).
 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع